الرئيس السوري

كلمة السيد الرئيس بشار الأسد في مؤتمر القمة الإسلامي التاسع في الدوحة بتاريخ12/11/2000

ألقى السيد الرئيس بشار الأسد كلمة أمام مؤتمر القمة الإسلامي التاسع فيما يلي نصها ..

صاحب السمو الأخ رئيس المؤتمر .. أيها الإخوة ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. 

يسرني في مستهل كلمتي أن أتوجه بخالص التحية إلى سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني رئيس المؤتمر متمنياً له التوفيق في إدارة أعمال مؤتمرنا وإلى شعب دولة قطر الشقيق متمنياً له دوام التقدم والازدهار . 

ومن دواعي سروري أيضاً أن أعرب عن وافر الشكر والتقدير لحجة الإسلام السيد محمد خاتمي رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الذي أدار بحكمة وكفاءة رئاسة المؤتمر الإسلامي خلال السنين التي تولى فيها رئاسة القمة الإسلامية ، جلستنا هذه هي جلسة من أجل ما يحدث الآن في فلسطين في الانتفاضة ولن أتحدث عنها بشكل مباشر لن أتحدث عن بطولات الشعب الفلسطيني عن الشهداء الذين سقطوا ولا عن بطولات شبان الانتفاضة ولا عن الإجرام الإسرائيلي فقد تكلم الإعلام بما فيه الكفاية والكل يعرف ما يحصل الآن في فلسطين وعن الحقوق الفلسطينية وماذا تعني وكيف تعود .. ونحن هنا لكي نحلل الأسباب بهدف إيجاد الحلول الممكنة لما يجري ..

طبعاً قضية الأقصى ليست قضية مجردة .. بل هي أو غالباً ما تكون نتيجة لعوامل أخرى الأقصى والقدس وقضية فلسطين هي جزء من الصراع العربي الإسرائيلي والذي يتأثر بالوضع الإسلامي والذي هو جزء من الوضع الدولي وبالتالي ثغرات الوضع الدولي تنعكس على العالم الإسلامي وثغرات العالم الإسلامي تنعكس على الوضع العربي الذي بدوره ينعكس على الوضع الفلسطيني وقضية القدس أو الانتفاضة , وبالتالي نحن كدول إسلامية لا نستطيع أن نتعامل مع القضية الفلسطينية إذا لم نكن قادرين على التعامل مع الوضع العام المؤثر فيها بشكل فاعل وجدي ..

أيها الإخوة .. 

لا نأتي بجديد إذا قلنا إن مؤتمرنا هذا ينعقد في ظل ظروف بالغة التعقيد فمنذ انعقاد مؤتمر منظمتنا الأول عام 1969 لم تكن الظروف طبيعية أو عادية ولم يكن الخطر بعيداً جداً عن شعوبنا وما اختلف منذ ذلك الوقت حتى الآن أن هذا الخطر أصبح داهماً واقترب كثيراً من نقطة التفجير الشامل للوضع المهيأ أساساً للانفجار . 

وفي الفواصل الزمنية بين مؤتمراتنا كنا نشهد المزيد من إزهاق الأرواح في منطقتنا ونرى الأمة العربية والإسلامية تضيف إلى رصيدها المزيد من الفقر والجوع والكثير من الظلم والاضطهاد كما رأيناها تبتعد أكثر فأكثر عن هويتها حتى تكاد تذوب في هويات الآخرين وفي المقابل كانت دول أخرى تزداد طغياناً واستغلالاً ويشرعن قتلها وتدميرها للغير مما أدى إلى تزايد شدة التناقضات والمفارقات في مناطق مختلفة من العالم ، وبنظرة متأملة للعقود الماضية نرى أن نقلة تراجعية كبيرة إلى الوراء قد تمت بالنسبة إلى دول المنطقة ترافقت مع ظهور مفاهيم جديدة مختلفة وخاصة في العقد الماضي وفي مقدمتها مفهوم النظام الدولي الجديد أو ما يسميه البعض بالعولمة وهي طبعاً شيء مختلف عن النظام الدولي . 

ولكننا نرى أن هناك خلطاً بين المصطلحين عن معرفة أو عن عدم معرفة فالعولمة تلك الحالة الثقافية الاقتصادية السياسية ليست حالة جديدة كما يعتقد الكثيرون فالإسلام تجاوز منذ ظهوره الحدود الجغرافية والقوميات والثقافات المختلفة ولكنه لم يلغها بل أكد على الالتزام بالوطن والأمة بانيا ذلك على أسس سليمة مختلفة إلى حد كبير عما نراه في حالتنا الراهنة وبالتالي فإن السلبيات والمصاعب التي نعاني منها في الوقت الحاضر هي ليست نتيجة مطلقة للعولمة التي يمكن أن تكون حالة مليئة بالإيجابيات إن استندت إلى ما استند إليه الإسلام من العدل والمساواة إضافة إلى مبادئه السمحة الأخرى أما النظام الدولي الجديد فهو ليس كذلك بمعناه الحرفي فكلمة دولي تفهم على أنها مشاركة دول العالم كافة واتفاقها على طريقة أو أسلوب معين لإدارة هذا العالم بالشكل الذي يحقق مصالحها بلا استثناء أما ما نراه اليوم وما عشناه خلال السنوات القليلة الماضية فهو ليس نظاماً دولياً بل هو نظام دولة أو بضع دول على هذه الكرة الأرضية أما ما تبقى منها فهو دول سابحة في هذا النظام الغريب بعضها يعوم على السطح بصعوبة وعليه أن يثبت وباستمرار حسن النيات والطاعة والالتزام ومع ذلك فهو دائماً مخطىء ومطلوب منه أن يكفر عن ذنوبه وبعضها الآخر غارق في القاع إلى أجل غير مسمى وأصبح كل ما يتماشى مع رغبات تلك الدول الكبرى ديمقراطية وعدلاً وكل ما يحقق مصالحها هو حقوق إنسان وحضارة بشرية . 

وبغض النظر عن تسمية أو تسميات مختلفة تطلق على هذا النظام أو نظريات تظهر من وقت إلى آخر بعضها يدعو للخضوع له وبعضها الآخر للحذر منه وغيرها لمقاومته فهو في الواقع يمثل مشهداً متكاملاً لغياب التوازن في عالمنا الحالي وهذا التوازن المقصود ليس بالضرورة ذا طبيعة اقتصادية أو عسكرية بل هو توازن قيم وأخلاق ومفاهيم هو توازن عدل وإنصاف بين الشعوب والأمم بين الغرب والشرق بين الشمال والجنوب فلا يجوز أن توصف المقاومة من أجل تحرير الأرض نضالاً في مكان ما وإرهاباً في مكان آخر ولا حقوق الإنسان هي حقوق للدولة في بلد وبالعكس في بلد آخر .
كما تم وصف الديمقراطية لدى شعب ما بالتخلف بينما رقيت الفوضى إلى مرتبة ديمقراطية لدى شعب ثان . 

ولعل أخطر المفارقات الناجمة عن هذا الوضع هو تصنيف البشر بأصناف لا نعرف ما هي معاييرها فعلى سبيل المثال نرى بأن مقتل جنديين من القتلة في الجيش الإسرائيلي هو أهم بكثير من استشهاد العشرات من الأبرياء العرب المسلمين والمسيحيين في فلسطين والآلاف في لبنان ودول عربية وإسلامية أخرى كما أن أسر ثلاثة محتلين في الأراضي اللبنانية المحتلة يقيم الدنيا ولا يقعدها بينما عشرات من المختطفين اللبنانيين والسوريين والمئات من المعتقلين الفلسطينيين والعرب لا تحرك شيئاً لدى المجتمع الدولي . 

ولم يعد مستغرباً بأن تصدر لوائح تحدد فيها قيمة الإنسان لدى شعب وما يقابلها لدى الشعوب الأخرى . 

أما الديمقراطية فقد أصبحت تفسر على أنها حق التدخل في الشؤون الداخلية للدول والشعوب الأخرى وعندما تطالب تلك الدول بديمقراطية العلاقة مع الآخرين تعطى دروساً في قبول الرأي الآخر من قبل من يرفضون الآخر رأياً ووجوداً وديناً ومبادئ حق وخير . 

هذا الوضع الذي أتحدث عنه أكثر من عانى منه هو شعوبنا الإسلامية فخلال المرحلة التي تلت الحرب العالمية الثانية وحتى نهاية الثمانينيات أي الفترة المسماة بحقبة الحرب الباردة ظهر الصراع جلياً بين الكتلتين الاشتراكية والرأسمالية وقد خلق هذا الصراع محاور وتجمعات متباينة وهيمنة دول على دول أخرى بحجج مختلفة وكان هناك بنفس الوقت دعوات لحوار الحضارات هذه الدعوات تزايدت بعد انتهاء تلك الحقبة مع تزايد القناعة بزوال أسباب التوتر الدولي وعلى ما يبدو أن هذا لم يكن مناسباً لمصالح البعض لذا كان لابد لهم من ابتداع عدو جديد للإبقاء على حالة التوتر وما يعنيه من إبقاء أسباب ومبررات الهيمنة على دول ومناطق متعددة في العالم . 

هذا العدو الجديد الذي ظهر في التسعينيات هو ديننا الإسلامي الحنيف دين الأخلاق والعدل والمحبة الذي تم تشويهه إعلامياً وتثقيفياً وتربوياً ليغدو دين القتل والتطرف والإرهاب فكلما حدث اضطراب في منطقة ما من العالم وجهت أصابع الاتهام للإسلام ولو لم يكن للمسلمين وجود في تلك المنطقة وكل عملية تخريب أو عمل إرهابي منفذه هو مسلم حتى يثبت العكس وغالباً ما يثبت العكس أما الاتهام فيبقى كما هو . 

وبالتوازي حورب الإسلام الصحيح من خلال تغذية التطرف واستخدامه في ضرب الإسلام والمسلمين والآن يصور هذا التطرف الذي جرت تنميته من خارج الأمة الإسلامية على أنه الإسلام الحقيقي وذلك إمعاناً في تشويه صورته الناصعة وإسرائيل أبرع من شوه هذه الصورة وأية صورة حقيقية أخرى ولا أدل على براعتها من استغاثاتها التي نسمعها اليوم حول ما يحصل في القدس وبقية الأراضي العربية المحتلة فهي تطالب وبشكل يستفز المشاعر بوقف العنف الفلسطيني وبوقف تدمير الدبابات الإسرائيلية بحجارة أطفال وشباب الانتفاضة فهي تظهر الضحية بمظهر المجرم والقاتل بمظهر البريء ولم يعد للشعب الفلسطيني الذي عاش على أرض فلسطين ولآلاف السنين دون انقطاع الحق في أن يعيش على أرض أجداده بل إن المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين أصبح هو الآخر معتدياً على أساطير وخرافات يريدون أن يقنعوا العالم بوجودها ولو اضطرهم ذلك إلى تزييف التاريخ ووضعوا أمام العرب والمسلمين خيارين أما أن يبقى المسجد تحت السيادة الإسرائيلية الكاملة مع ما يعني ذلك من احتمال تدميره في المستقبل أو أن يضعوه تحت السيادة السماوية بحسب قولهم وبالتالي إمكان قصفه بالطائرات متى شاءوا مع الاحتفاظ بالسيادة الإسرائيلية تحت الأرض وبالتالي سحب تلك الأرض من تحته وسحب البساط من تحت التاريخ والوجود الإسلامي في أرض فلسطين وهنا تظهر عنصرية إسرائيل بوضوح تام فالأقصى ببعده الإسلامي والقدس ببعدها العربي الإسلامي المسيحي أصبحا خطراً يهدد المزاعم الصهيونية التوسعية التاريخية وبالتالي فهم في سعي دائم لنسف تلك الأبعاد وطمسها . 

وهذا الكلام ليس من بنات أفكارنا كما أنه لا يستند إلى توقعات وتحاليل من لا شيء بل هو نابع من تاريخ إسرائيل وممارستها منذ إعلان قيامها عام 1948 والذي إذا تجاوزنا منه مجازر لا تعد ولا تحصى فإننا لا نستطيع تجاوز محاولة حرق المسجد الأقصى منذ أكثر من ثلاثين عاماً والتي كانت سبباً أساسياً في انعقاد مؤتمرنا الأول مروراً بمحاولات تهويد القدس المستمرة من خلال القضاء على معالمها الإسلامية والمسيحية والتأكيد على أنها عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل على الرغم من أن التوراة تتحدث عن أرض كنعان التي هي فلسطين والكنعانيون وهم قبائل عربية أسسوا القدس قبل ثلاثة آلاف سنة قبل المسيح أي قبل خمسة آلاف سنة من اليوم ولم يكن وجود العبرانيين في فلسطين عبر التاريخ إلا وجوداً عابراً ومتباعداً كأقلية ضمن سكان البلاد الأصليين . 

إن هذه العنجهية الإسرائيلية والممارسات البعيدة كل البعد عن أخلاقيات وتعاليم أي دين من الأديان السماوية لم تكن لتحدث لولا توفر التشجيع والدعم لها من دول وجهات متعددة فالإسرائيليون يقتلون والعرب والمسلمون يتهمون بالإرهاب ومعاداة السامية مع معرفتهم الأكيدة بأننا ساميون وسابقون على غيرنا من الساميين هم يسحقون مبادئ حقوق الإنسان ونحن ندان ونوصف باللاإنسانيين والمتخلفين .
ومن ثم يشتمون النازيين القدامى ويمارسون نازية جديدة لم نقرأ عن مثلها في التاريخ . 

الإسرائيليون يكدسون جميع أسلحة الدمار الشامل وفي مقدمتها الأسلحة النووية وتتحرك حكوماتنا للطلب من الدول والجهات المعنية للسعي إلى إزالة هذه الأسلحة فيأتي الجواب بقصف مصنع للأدوية في السودان وهم لو سئلوا فلكل شيء عندهم جواب سوف يقولون إنها أدوية دمار شامل . 

الإسرائيليون يخرقون ميثاق الأمم المتحدة من ألفه إلى يائه وتحاصر ليبيا وغيرها من الدول يدمر العراق من أجل قرارات الأمم المتحدة وتدمر قرارات الأمم المتحدة من أجل إسرائيل , ومن الأمور المؤسفة والمضحكة في نفس الوقت ، أن بعض قرارات مجلس الأمن تفسر بحسب خطوط الطول والعرض وبحسب الدول التي تطبق عليها . 

كل هذا لا يغير قناعاتنا بضرورة التوصل إلى سلام عادل وشامل مبني على قرارات الأمم المتحدة ومستند إلى مبدأ الأرض مقابل السلام ويتضمن الانسحاب الإسرائيلي من الجولان المحتل والأراضي الفلسطينية المحتلة حتى خط الرابع من حزيران عام 1967 بالإضافة إلى استكمال انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلة وإعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه الكاملة بما فيها حق تقرير المصير وعودة اللاجئين ودولة مستقلة ذات سيادة عاصمتها القدس وإطلاق المعتقلين العرب كافة من المعتقلات والسجون الإسرائيلية . 

هذا موقفنا نردده على كل منبر وفي كل مناسبة مؤكدين على أن البشر لم يقسموا إلى شعب مختار وشعوب أخرى أتت بالصدفة فكل مخلوق على الأرض مختار من الله تعالى الذي هو مصدر العدل في هذا الكون والذي لم يعط الأرض لمن لا يملكها وسيعيدها إلى من عاش عليها لآلاف السنين مهما طال الزمن ومهما كثرت التضحيات ..

أيها الإخوة .. 

إن توقعات شعوبنا منا كثيرة وكبيرة وإحباطاتها في الماضي والحاضر أكبر لكن هذا لا يمنعنا من التفاؤل فكلنا يقدر الظروف المختلفة ويعرف الإمكانيات وهي لا تطالب بأكثر من الحد الممكن الذي تستطيع دولنا القيام به خاصة أن قناعة تولدت لدى الكثيرين في هذه الشعوب بأن عدة دول وعلى رأسها إسرائيل لا تريد الخير لنا وتسعى لإبقائنا على أوضاعنا الراهنة من فقر وتخلف لكي نبقى ندفع الثمن وهم يقبضون مادياً ومعنوياً وإذا كنا نجتمع هنا ليس بهدف الدعوة إلى الحرب وإنما لإسماع صوتنا للعالم بأكمله كحد أدنى فليكن هذا الصوت عالياً وإلا بقي داخل هذه القاعة من دون أي أثر أو قيمة ومن هنا نطالب بقطع العلاقات مع إسرائيل بهدف زجرها وردعها عن الاستمرار بأعمالها الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني والمس بمقدساتنا الإسلامية والمسيحية وشعائرنا ومعتقداتنا ونؤكد على أن مصير المسجد الأقصى هو محور الصراع الدائر حالياً بين الصهاينة والمسلمين ويخطئ من يعتقد أن العلاقة مع إسرائيل تساهم في حماية هذا الصرح وحماية الشعب الفلسطيني بل الأمر على العكس من ذلك إنها تساهم في تدميره وهذا يحرمه الإسلام كذلك يجب دعم صمود الشعب الفلسطيني من خلال إيجاد السبل الكفيلة بترسيخ وجود هذا الشعب في أرضه وتأمين وسائل صموده ولا ننسى أن نؤكد أيضاً على أهمية العلاقات المتينة بين دولنا وشعوبنا وتعزيز التضامن والتكامل فيما بيننا في المجالات كافة . 

أيها السادة .. 

نتمنى أن لا يكون مؤتمرنا هذا هو مؤتمر إثبات حسن النيات فقط فديننا هو دين النيات الطيبات والعمل الصالح أما الطاعة فهي لله وحده والالتزام بالإسلام والأمة والوطن ولتكن هذه القمة لقاء من أجل إثبات الرغبة والقدرة على أن يكون لنا مكان في العالم ..
وكما قال الرسول الأعظم في حديثه الشريف " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف " . 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المصدر
زهرة سورية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى