علوم وتقنيات

موجز عن الدراسة الديناميكية لتوزع بعض أنواع القمح البرية شمال حلب .. بقلم محمد عامر جنيدان

تزداد المخاطر الناجمة عن الأنشطة البشرية والصناعية والعمرانية لتتسارع معها وتيرة التغيرات المناخية في العالم في الوقت الذي يشهد فيه كوكبنا نمواً كبيراً في أعداد ساكنيه
وما يرافق ذلك من ازدياد الطلب على المواد الغذائية واستهلاك الموارد الطبيعة بشكل مفرض. لذلك أصبح حفظ التنوع الحيوي وصيانته من الضرورات والأولويات المُلحة وبالأخص حفظ التنوع الوراثي للأنواع البرية ذات الأهمية الاقتصادية والغذائية مثل القمح. وفي هذا المجال تبرز الحاجة إلى تكامل طريقتي الحفظ خارج الموقع Ex situ Conservation التي تم إيلاؤها إهتماماً ودعماً جيداً خلال العقود الماضية بالرغم من بعض التحفظات والمُحددات المرتبطة بها وطريقة الحفظ في الموقع In situ Conservation التي لا تزال بحاجة إلى المزيد من الدعم والدراسة وصولاً إلى فهم أعمق لمنهجياتها وأساليب تطبيقها وإدارتها. وفي سبيل ذلك تأسست التجربة الحقلية بمعاملاتها الثمان شمال محافظة حلب – سورية عام 1994 من أجل دراسة ديناميكية نمو وتوزع ثلاثة أنواع قمح برية هي Triticum urartu وTriticum boeoticum وTriticum dicoccoides وتقييم أدائها وسلوكها وقدرتها على التجدد الذاتي Self-Regeneration Ability ضمن ظروف تُحاكي الحفظ في الموقع (نظام بيئي شبه طبيعي) وذلك بالاعتماد على أهم المعايير والصفات النباتية المُستخدمة في هذا المجال للعائلة النجيلية. أظهرت نتائج التجربة الحقلية والمراقبة الدورية لها قدرة عالية لدى الأنواع البرية الثلاث على المنافسة والبقاء رغم الكثافة النباتية المرتفعة (المنافسة الشديدة) وبالتالي إمكانية تأسيسها وحفظها في الأراضي المزروعة ضمن نظام إدارة المدخلات في مناطق الانتشار. وقد تباينت هذه الأنواع البرية في قدرتها على التجدد الذاتي حيث تفوق النوع T.urartu على النوعين T.boeoticum وT.dicoccoides من خلال امتلاكه أعلى نسبة انتشار وتوزع ضمن التجربة الحقلية بلغت (46.4%) أما نسبة النوعين الآخرين فكانت 38.5% و15.1% على التوالي، وكذلك من خلال امتلاكه أعلى متوسط لعدد النباتات\م2 بلغ (22.6) و15.5 و9.9 نبات\م2 بالنسبة للنوعين الآخرين على التوالي ضمن معاملات النوع الواحد موسم 2006\2007. يعود التباين في قدرة الأنواع البرية الثلاث على التجدد الذاتي بشكل رئيسي إلى تباينها في صفة متوسط عدد السنيبلات\النبات حيث كانت المتوسطات العامة 21.2 و18.2 و13.5 سنيبلة\نبات للنوع T.urartu وT.boeoticum وT.dicoccoides على التوالي موسم 2007؛ بالإضافة إلى تأثير نسبة عدد الحبوب إلى عدد السنيبلات وكذلك نسبة الإنبات الحقلي. بعد 13 موسماً من الإدارة والحفظ في موقع التجربة استقر متوسط عدد نباتات الأنواع البرية الثلاث ضمن المعاملة الخليط عند 36.5 نبات\م2 مما يعني أن قطعةً تجريبيةً بمساحة 100 م2 ستكون كافية لحفظ عدد من نباتات أنواع الجنس Triticum يتراوح بين 3000 و5000 نبات. تُعتبر نباتات التجربة الحقلية بالإضافة إلى ما تبقى من نباتات أنواع القمح البرية الثلاث في الموقع البيئي الجغرافي المدروس طرزاً وراثيةً محفوظةً في بيئتها الطبيعية وبالتالي فإنها مُتكيفة مع التقلبات الطقسية السنوية؛ والأهم أنها أكثر تكيفاً من مُدخلات البنك الوراثي (التي نشأت منها) مع ما جرى ويجري من تغيرات مناخية وبيئية طويلة المدى لذلك يُمكن استخدامها في برنامج استعادة الأنواع المهددة بالزوال Recovery System ضمن الحديقة النباتية المُنشأة هناك مؤخراً. تُشير نتائج عملية الرعي المُنظم أن التجربة الحقلية بمساحتها البالغة 2500م2 تُنتج كتلةً حيويةً تكفي لتغذية 200 رأس من الأغنام ولمدة يومين؛ هذا بالإضافة إلى دور الرعي المُنظم في زيادة محتوى التربة من المادة العضوية من خلال جعل الدورة البيوجيوكيميائية للتربة دورةً شبه مغلقة.
تم تقييم التنوع الوراثي لعشائر القمح البرية الستة المدروسة باستخدام تقانة التعددية الشكلية لطول قطع الـDNA المُكاثرة AFLP. في المجمل نتج عن توافقيات البادئات الخمسة MseI-PstI primer pair combination المُستخدمة 335 حزمةً واضحةً وموثوقةً منها 249 مؤشر تعددية شكلية Polymorphic Markers على مستوى الأنواع الثلاث أي بنسبة 74.3%. تم حساب متوسط قيمة تنوع المورث PIC وعدد الطرز الوراثية المُلاحظة بالإضافة إلى معدل تنوع الطرز الوراثية وذلك لكل توافقية بادئات على حدة، كما أمكن تحديد 36 مؤشراً فريداً أو مُميزاً لكل نوع Species-Specific or Unique Markers. تراوح معامل الاختلاف الوراثي على مستوى الأنواع الثلاث حسب Jaccard من 0.651 (بين النوعين T.urartu وT.dicoccoides) إلى 0.832 (بين النوعين T.boeoticum وT.dicoccoides) وبمتوسط عام بلغ 0.706. أما على مستوى العشائر فقد سجلت العشيرة U2 أعلى متوسط لمعامل الاختلاف الوراثي بلغ 0.163 تلتها العشيرة B2 ثم D1 بمتوسط 0.143 و0.135 على التوالي. أظهرت نتائج تحليل التباين الجُزيئي AMOVA أن النسبة العظمى من التباين الجُزيئي (82.4%) هي بين الأنواع في حين كان التباين ضمن العشائر (9.9%) أكبر من التباين بين العشائر (7.7%). أظهر التحليل العنقودي Cluster Analysis باستخدام طريقة UPGMA واعتماداً على مصفوفة التشابه الوراثي حسب Jaccard وجود ثلاثة عناقيد رئيسية تُمثل الأنواع البرية الثلاث التي إلتقت عند مستوى تشابه وراثي بلغ 28%؛ كما أظهر التحليل العنقودي أيضاً أن النوع T.urartu هو الأقرب وراثياً إلى النوع T.dicoccoides مؤكداً بذلك فرضية أنه النوع المعطي للجينوم A بالنسبة للقمح رباعي الصيغة الصبغية. شكلت نباتات النوع T.urartu (24 نباتاً) تحت مجموعتين Subgroup عند مستوى تشابه وراثي بلغ 79%؛ وقد إحتوت كل تحت مجموعة على بعض الأفراد من كل عشيرة من العشائر الثلاث التابع لهذا النوع ويعود السبب في ذلك إلى التاريخ والظروف التطوريَّة المُشتركة والمُتماثلة لهذه العشائر Convergent Populations. أظهرت المقارنة التي أُجريت بين نتائج هذا البحث ودراسة سابقة أن عشائر النوعين T.urartu وT.boeoticum الموجودة في الموقع البيئي الجغرافي المدروس تتصف بمستوى تنوع وراثي واسع مقارنةً مع عشائر مواقع بيئية أخرى في منطقة الهلال الخصيب.
يحتاج الحفظ في الموقع إلى أن يتكامل مع الحفظ خارج الموقع حيث يكون ذلك ممكناً ومناسباً فهو لا يمكن أن يُشكل النموذج الوحيد لحفظ المصادر الوراثية للمحاصيل بسبب اعتبارات التكلفة الاقتصادية واستحالة تحويل موقع كل عشيرة نوع بري إلى منطقة محمية. كما يحتاج تشجيع وتطوير أساليب إدارة أكثر كفاءةً للتنوع الحيوي في الأنظمة البيئية الواقعة خارج المناطق المحمية أن يحظى بالأولوية القصوى خاصةً تلك الأنظمة المعروفة باحتوائها على أنواع المحاصيل البرية المستهدفة. يُسهل الحفظ في الموقع الأبحاث العلمية على الأنواع البرية في بيئاتها الطبيعية ويُمكننا من حفظ مدى أوسع من التنوع الوراثي وعدد أكبر من التراكيب الوراثية والنظائر المفيدة كما أنه يخدم في آن واحد عدة أغراض هي في الغالب متداخلة ومتشابكة (تربية المحاصيل – الغابات – الحياة البرية – إنتاج الأعلاف) والأهم هو أنه يسمح باستمرار العمليات التطوُّرية الطبيعية وبالتالي ظهور طرز وراثية جديدة عبر عمليتي التأشيب والانتخاب الطبيعي أي أنه يزودنا بمصادر ديناميكية متجددة أكثر تكيفاً مع التغيرات المناخية والبيئية ومع الآفات والأمراض المستمرة في تطورها.

بواسطة
محمد عامر جنيدان / رسالة الماجستير
المصدر
زهرة سورية / حلب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى