مقالات وآراء

موجز مسيرة الغرب (الاستعماري) في العالم العربي بقلم حسن عثمان

لم يكن لدي أدنى شك، و منذ بلوغي الوعي القومي، في أنّ الغرب الاستعماري يُفكر ولو للحظة في مصالحنا كدول أو كشعوب. حيث أنّ هذا الغرب الاستعماري يُحاول دائماً أن يُظهر نفسه بمظهر المخلّص والمنقذ، الذي يخاف ويعمل على رعاية مصالح الشعوب والدول الأخرى.
ولكي يُخفي دائماً وحشيته، عمد و يعمد إلى نشر أفكار ومصطلحات بين شعوب العالم التي يحتلها، ليتمكن من خلالها من الولوج ببلدانها ونهب ثرواتها. فمن يُراجع تاريخ الاحتلال في بلادنا يُلاحظ أنه ولكي يتمكن من احتلالنا قام باختراع مصطلحات تتناسب ومصلحته الأساسية، ومن ثم عمل على تطوير هذه المصطلحات وأعطاها أسماء جديدة وبستارات وأغطية مختلفة عبر السنوات المتلاحقة والتي تتماشى وتتناسب مع الوضع الاجتماعي و الفكر الموجود في الدول ( المستعمرة والمستعمَرة ).
فبعد الاحتلال العثماني ( الذي أيضاً كرّس وعمل في مجتمعنا بما لا يُشكر عليه بتاتاً، من اقتطاع أراضي من بلادنا وتوزيع أخرى ونشر المذهبية والتمهيد للاحتلال الغربي القادم بعده، والذي جعله يوصف بالاحتلال والإمبراطورية الهمجية ، وكل ذلك تحت اسم وراية الإسلام، الاسم الأكثر نفوذية في قلوب شعوب العالم العربي تلك الفترة . وإن كان البعض مازال مُصّراً على اعتباره فتحاً "إسلاميا"، فإنّ ذلك لا يُغير من الحقيقة بشيء ). أتى الاحتلال الغربي حاملاً راية الإنقاذ من جهالة وتخلف سلاطين العثمانيين وهمجيتهم، مُكرّسا أيضا الطائفية والمذهبية، التي زرعها العثماني البغيض، وزاد على ذلك. لقد جاء الاستعمار الغربي متبنياً حماية طوائف دينية في أمتنا السورية، في الوقت الذي كان يُحيك مؤامرات الحروب الأهلية ( الطائفية والمذهبية بمساعدة جهال رجال الدين وخونتهم )، وينهب ثروات البلاد.
وبعد أن انكشفت حقيقة ( الغرب الاستعماري )، وانتهت (موضة) ما أتى به انتقل إلى موضة (الانتداب) الأكثر حداثة، والمحمية من عصبة الأمم.ولقد سعى خلالها المستعمر ( وقبل أن يُنهي انتدابه المشؤوم ) لتأسيس و إقامة كيانات مستقلة وزرع أمراء للطوائف، ورؤوساً للعرقيات، وملوكاً.. وخلق ديكتاتوريات، ودويلات ( دولة العلويين – دولة حلب ..و..و..و. )، وقوميات متعددة ( القومية اللبنانية ، والقومية الكردية على امتداد الجزء الشمالي الشرقي لأراضي الأمة السورية ) ثم عمل الغرب بعد ذلك على تقاسم كل ذلك( قسمة حق في ما بينه ) ومن دون اختلاف.
وكان أخطر ما قام به هذا الاحتلال، زرع السرطان اليهودي في قلب الجنوب السوري ( فلسطين ). ومن ثم عاد إلى أرضه واثقاً ومعتمداً على تكنولوجيا التحكم عن بعد لهذه الكيانات والأمراء والملوك وباقي الديكتاتوريات.ثم بعد ذلك ولأجل رعاية ذلك السرطان الذي زرعه في فلسطين وضمان استفحاله عمد الغرب الاستعماري إلى خلق جمعيات ومنظمات ووكالات …. حيث يضمن من خلالها تثبيت سرطان اليهود قانونياً في فلسطين، إضافة لما يمكنه من خلال هذه المنظمات والجمعيات من التحكم في باقي دول العالم.
بعد ذلك، وعند شعور شعوب العالم العربي ( متأخرين ) بالغبن وانكشاف حقيقة الغرب (الاحتلالية) و حقيقة من يحكم كياناتهم من ملوك وأمراء ورؤساء . أطلق الغرب شعارات جديدة ( حقوق إنسان ، حرية الرأي و..و … ) وجعلت الحكام في العالم العربي في وجه المدفع مُلقية بكامل المسؤولية عليهم، وبهذا الشكل ظهر الغرب كالحمل الوديع. والعجيب أنّ هذه الحيلة وهذه المصطلحات لاقت استحساناً وتمكنت من اختراق الكثير من مثقفي شعوب العالم العربي، ( وكأننا شعوب لا نعي معنى الحقوق والقانون. رحمة الله حمورابي !؟)، وهذا الاختراق جاءت من نتيجته ما خطط له المستعمر تماما، حيث بادر المخترَقون، بالاعتراف بحرية واحترام الغرب (الاستعماري) للإنسان، ولكن (والغريب جداً) أنّ حدة الاختراق لم تصل لدرجة مواجهة حكّام الكيانات المخترَعة، مما يُثبت جودة وتقنية هذه الشعارات والمصطلحات التي صنعها المستعمر والمعدّة بدرجة عالية، حيث ضَمِنَ الغرب الاستعماري من خلالها اعتراف الشعوب بعدله واحترامه للإنسان، وبنفس الوقت ظل محافظ على أجهزة التحكم لديه ( حكام هذه الشعوب ) . وما يؤكد متانة هذه الصناعة الاستعمارية الغربية ( الشعارات والمصطلحات وغيرها) هو تبني الغالبية العظمى للحكام في العالم العربي لها، ودعمها والترويج لها على حساب الصناعة الوطنية التي لا تلبي طموحهم !!!!؟) .
وعندما وجد الغرب (الاستعماري) الأرضية المناسبة وبعدما تبين وتأكد من الغياب الكلي للمصلحة الوطنية وعدم الاكتراث بالمصالح القومية للبلاد عند الكثير من حكّام العالم العربي ( وإن ادّعوا غير ذلك، ومهما ارتفعت صورهم وشعاراتهم )، رفع هذا الغرب ( الاستعماري ) شعار السلام وطيّر الحمام الأبيض وأشاروا بغصن الزيتون، وروجوا بين شعوب العالم العربي بُعد النظر والإستراتيجية( الغير مرئية للجميع وفقط للمحنكين في السياسة !؟ ) من هذا السلام، فتحقق ذلك على ثلاث محاور، وبذلك ارتاح اليهود من التحضير للحروب وانشغلوا بأمور بناء دولتهم المزيفة. وفي المقابل ارتاح صانعوا السلام ( العرب والمسلمون والأشراف ) من هَمْ القضية الفلسطينية ( تحرير كامل فلسطين وطرد اليهود ) التي اعتنقوها شعارا لهم ولجامعتهم العربية، في زمن كانت الرياسة والزعامة تتطلب هكذا شعارات ( راجعوا البيانات الختامية للدورات المتتالية للجامعة العربية وانظروا إلى ما وصلنا إليه بشأن المسألة الفلسطينية ).
ومن ثم عمل (الاستعمار) الغربي على نشر مصطلح الديمقراطية لإبراز اليهود، ودولتهم المصطنعة والمزعومة، كأوائل في منطقتنا من حيث الحياة الديمقراطية. ومن جهة أخرى لاستمرار ابتزاز حكام العالم العربي ليلبّوا وينفذوا ما يُملى عليهم. بالإضافة لدعم مصطلح السلام في المنطقة لمن لم يعقد اتفاقية وللتطبيع لمن ليس بتماس مباشر مع اليهود ( مع العلم أنّ الكثيرين منهم ليسوا بحاجة لابتزاز ).
وبعد ذلك ومنذ تحرك حركات المقاومة الوطنية بصورة منظمة وبدرجة عالية من الدقة في التنفيذ حيث أخافت اليهود وعملائهم وهم الذين لم ترهبهم جيوش العالم العربي من قبل. اقترح الغرب (الاستعماري) مصطلح الإرهاب، ليتمكن بعد ذلك من وضع هذه الحركات المقاومة ضمن خانة الإرهاب وليفرغها من محتواها الوطني، ويرفع القدسية عنها.مستفيداً من سمعة بعض الحركات المتطرفة التي تعمل تحت اسم الدين والتي تتحرك بصورة مباشرة و غير مباشرة بإمرة اليهود والغرب (الاستعماري)، وبذلك أصبح من المفروض على الحكام العرب( وليس لديهم مشكلة بهذا الموضوع طبعاً، بل بعضهم يري في هذه المقاومة تهديداً لمصالحه الشخصية المتمثلة بالدرجة الأولى بكرسي الرئاسة والإمارة والمملكة ) مواجهة هذه الحركات الوطنية المقاومة مقدمين أتفه الأعذار لشعوبهم ( أعذار طائفية بالدرجة الأولى )، كما لاحظنا ونلاحظ إلى الآن.

صراحة، ما دفعني إلى كتابة هذا الموجز، هو مطالبة السيد أوباما رئيس الولايات المتحدة الأمريكية (( راعية الديمقراطية ، والمدافعة عن حقوق الإنسان )) لبعض الحكّام العرب بالتطبيع مع العدو اليهودي.
برأيكم لماذا لم يطلب السيد أوباما التطبيع من شعوب العالم العربي ( وهو الراعي لحرية الرأي، والديمقراطية ) ؟.
هل لأنه مؤمن هذه المرة بأنّ هؤلاء الحكام العرب هم صناعة وطنية ( يعني من رحم الشعب !؟ ) وهم مفوضين ، كما وجد ذلك أسلافه كارتر وكلينتون في اتفاقيات السلام المبرمة مع حكّام الدول في العالم العربي وليس مع شعوبها ؟.
أم لأنه مؤمن أشد الإيمان أنّ هذه ليست رغبة شعوب العالم العربي ( ولا تنفع الحقوق وحرية الرأي معها، في هذا الموضوع ) فلجأ إلى بعض حكّام العالم العربي وسيلة التحكم عن بعد ( Remote control ) !؟؟؟؟.

المصدر
موقع أوروك الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى