اقتصاديات

الطلب على النفط ينكمش بمعدل أسرع من المتوقع

تغوص منطقة اليورو لأعماق جديدة في أول ركود تشهده في تاريخها، ويترافق ذلك مع تقرير للبنك الدولي يؤكد فيه أن العالم يعيش حالة انكماش لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، ورغم تحسن الأسواق الآسيوية
تيمناً بنظيرتها الأميركية إلا أن المراقبون دعوا إلى عدم الإفراط في التفاؤل، في حين قالت منظمة البلدان المصدرة للنفط أوبك أن النفط ينكمش بمعدل أسرع من المتوقع، في وقت طفت فيه الانقسامات بين مجموعة العشرين حول خارطة الطريق للخروج بالاقتصاد العالمي من أزمته الحالية.

فقد أظهرت بيانات امس أن مبيعات التجزئة في منطقة اليورو انخفضت أكثر من المتوقع خلال كانون الثاني الماضي كما تم تعديل مبيعات شهر كانون الأول بخفض كبير وذلك في علامة أخرى على استمرار الركود الاقتصادي.

وأوضحت البيانات أن مبيعات التجزئة ارتفعت في منطقة اليورو التي تضم 16 دولة بنسبة 0.1 بالمئة عن الشهر السابق لكنها انخفضت بنسبة سنوية بلغت 2.2 بالمئة.

وبحسب مكتب الإحصاءات التابع للاتحاد الأوروبي "يوروستات" فأن مبيعات التجزئة لشهر كانون الأول انخفضت شهريا بنسبة 0.3 بالمئة وسنوياً بنسبة 2.4 بالمئة بعد أن كانت التقديرات السابقة تشير إلى استقرار شهري وانخفاض سنوي بنسبة 1.6 بالمئة.

وتمثل هذه الأرقام علامة جديدة على أن منطقة اليورو تغوص لأعماق جديدة في أول ركود تشهده في تاريخها تحت وطأة الأزمة الائتمانية التي قلصت التمويل المتاح للشركات والأسر وأدت إلى انخفاض الإنفاق.

النفط ينكمش

وقالت منظمة البلدان المصدرة للنفط أوبك قبيل اجتماع مهم للمنظمة في مطلع الأسبوع المقبل إن الطلب العالمي على النفط ينكمش بمعدل أسرع من المتوقع ما يزيد الضغوط على الأسعار.

وقالت المنظمة في تقريرها الشهري إن الطلب العالمي على النفط سينخفض بنحو 1.01 مليون برميل يومياً في عام 2009 ليبلغ في المتوسط 84.61 مليون برميل يومياً فيما أشارت تقديراتها السابقة إلى انخفاض في الطلب بمقدار 580 ألف برميل يومياً.

وأشار التقرير إلى أن قرارات المنظمة تمكنت حتى الآن من وقف التراجع السريع في الأسعار وأبقت عليها قرب مستوى 40 دولاراً للبرميل لافتاً إلى أن الضغوط على سوق النفط ستستمر.

وأضاف: مع استمرار التدهور الاقتصادي وتراجع الطلب فضلاً عن اقتراب موسم ينخفض فيه الطلب عادة من المرجح أن تتجدد الضغوط على الأسعار.

وقال إن أسعار النفط تحتاج للبقاء عند مستويات تدعم الاستثمارات في مجال الطاقة في مختلف مراحل الإمداد للمساعدة في الحفاظ على نمو اقتصادي عالمي طويل الأمد.

وأشار التقرير إلى أن أوبك ما زال يتعين عليها بذل المزيد من أجل الالتزام بالتخفيضات القائمة ولفت إلى أن هذه هي الموضوعات الرئيسية التي سيجري بحثها عندما تعقد أوبك اجتماعات يوم 15 آذار الجاري.

وكانت المنظمة خفضت في شباط الماضي إنتاجها بمقدار 649 ألف برميل يومياً إلى 72ر25 مليون برميل يوميا وظل الإنتاج أعلى من المستوى المستهدف للمنظمة البالغ 84ر24 برميل يومياً.

ويأتي ذلك في وقت ينخفض فيه الطلب على النفط لأول مرة في نحو 30 عاماً بعد أن أدى التراجع الاقتصادي الكبير لإغلاق مصانع وزيادة البطالة في أكبر اقتصاد العالم فيما انخفضت الأسعار بنحو مئة دولار للبرميل من ذروتها التي اقتربت من 150 دولاراً للبرميل في تموز الماضي ما دفع أوبك لخفض إنتاجها في محاولة لموازنة السوق.

أسواق تتحسن وتفاؤل حذر

إلى ذلك طرأ تحسن ملحوظ على معاملات أسواق الأسهم الأسيوية بعد إغلاق مؤشرات نظيرتها الأميركية على ارتفاع كبير أشاع جوا من التفاؤل.

فقد ارتفع مؤشر نيكاي الرئيسي للأسهم اليابانية بنسبة 5.2% نهاية التعاملات في بورصة طوكيو للأوراق المالية اليوم الجمعة، ليسجل بذلك أكبر مكاسب أسبوعية منذ أكثر من ثلاثة أشهر. وقفز مؤشر نيكاي القياسي لأسهم الشركات اليابانية الكبرى 03.371 نقطة، أي بنسبة تصل 5.2% بعد أن مني بخسائر بلغت 2.4% الخميس.

كما ارتفع مؤشر توبكس الأوسع نطاقا إلى 30.724 نقطة أي بنسبة 3.3%، بعد أن أغلق باليوم السابق منخفضا 3% عند أدنى مستوى إغلاق له منذ كانون الأول 1983.

بيد أن الجو العام في اليابان لا يبدو مقتنعا باحتمال انعكاس هذه الأرقام على الاقتصاد الحقيقي.

وأشارت البيانات الرسمية إلى تراجع الإنفاق الاستهلاكي بنسبة وصلت 1.01% في أسرع انخفاض لها منذ عقود، لتعكس قناعة كبيرة بأن البلاد تدخل حالة ركود اقتصادي حسب ما نقله موقع الجزيرة.

أما في هونغ كونغ فقد أنهت أسواق البورصة تعاملاتها بارتفاع وقدره 3.6% الجمعة، إذ سجل مؤشر هانغ سينغ ارتفاعا وصل 430.44 نقطة، في حين حققت بورصة مومباي تحسنا مماثلا بلغ 4.37%

وفي بورصة شنغهاي الصينية، حققت مؤشرات الأسهم ارتفاعا بمقدار 1.3% متأثرة بتصريحات رئيس الوزراء حول استعداد حكومته لتوفير مزيد من خطط الحفز الاقتصادي إذا ما استدعي الأمر ذلك.

وانسحب الحال نفسه على بورصة تايوان التي أغلقت مؤشراتها على ارتفاع بلغ 142.74 نقطة أي ما يعادل 3.0% عن إغلاق اليوم السابق، متأثرة هي الأخرى بتحسن الأسواق الإقليمية والأميركية.

وعزا المراقبون مكاسب الأسواق الآسيوية إلى ارتفاع مؤشرات أسواق الولايات المتحدة على خلفية أجواء تفاؤل أشاعتها بوادر تحسن الاقتصاد الأميركي، بعد أن أظهرت البيانات استقرار مبيعات التجزئة، وإعلان بنك أوف أميركا عن عودته للربح مصحوبا بتفاؤل المستثمرين بأن القطاع المصرفي ربما يتعافى بشكل أسرع مما هو متوقع.

لكن مراقبون حذروا من الإفراط في التفاؤل كما قللوا من احتمال أن يكون ذلك مؤشرا على الخروج من تداعيات الأزمة المالية العالمية.

انقسام في مجموعة العشرين

وفي تصريح له إثر لقاءه مستشاره الاقتصادي بول فولكر دعا الرئيس الأمريكي باراك أوباما دول العالم إلى بذل جهود ضخمة لإخراج الاقتصاد العالمي من الركود الذي يغرق فيه.

يأتي تصريح أوباما بعد خلافات ظهرت مؤخراً بين مجموعة العشرين قبيل انعقاد قمتها بشأن أولويات القمة وحجم الإنفاق التحفيزي الذي يتعين أن تعرضه الدول، وفي وقت تتعرض فيه القوى الاقتصادية الكبيرة في العالم لضغوط للوفاء بتعهداتها التي قطعتها في تشرين الثاني عندما حددت خطة عمل لمكافحة الأزمة والحماية من انهيارات مستقبلية.

وقال أوباما: نمضي أياما كاملة ونحن نسعى لإعادة فتح سبل القروض لإفساح المجال أمام الشركات الكبيرة والصغيرة والمستهلكين للاقتراض وبالتالي إعادة إطلاق اقتصادنا.

وأوضح أوباما أن على الولايات المتحدة إن تنسق مع الدول الأخرى لكي يترافق ما تقوم به الولايات المتحدة مع جهود ضخمة تبذل في الخارج.

وأضاف أوباما إن إدارته تعمل على إقامة اقتصاد ما بعد الفقاعة في إشارة إلى التضخم الكبير لأسعار العقارات قبل بدء الانهيار الكبير العام 2007 مع أزمة الائتمان العقاري في الولايات المتحدة.

وتحث واشنطن الدول الصناعية الكبرى على إنفاق نسبة اثنين بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي لتعزيز الطلب وإخراج الاقتصاد العالمي من عثرته لكن فرنسا والمانيا رفضتا دعوات الولايات المتحدة وبريطانيا لضخ المزيد من الإنفاق.

من جهته قال وزير المالية البريطاني اليستير دارلينغ في مقال نشرته صحيفة وول ستريت جورنال إنه يتعين على المجتمع الدولي التوحد لمعالجة التباطؤ وتحديد مسار نحو مستقبل مضمون.

وأضاف أنه يتعين علينا القيام بثلاثة أشياء هي دعم الطلب وإصلاح نظام الرقابة المالية العالمي وزيادة موارد صندوق النقد الدولي.

وقال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في مؤتمر صحفي في برلين مع المستشارة الألمانية انجيلا ميركل رافضا الدعوات الأمريكية للمزيد من الانفاق ان أوروبا استثمرت الكثير بالفعل من أجل الانتعاش وأن المشكلة لا تتعلق بإنفاق المزيد بل بوضع نظام رقابي حتى لا تتكرر الكارثة الاقتصادية والمالية التي يشهدها العالم.

وقال مصدر من الوفد الروسي للصحفيين أمس أن روسيا ستعارض كذلك مقترحات بريطانيا لدول مجموعة العشرين بوضع حد أدنى إلزامي يمثل اثنين بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للتحفيز المالي وخفض أسعار الفائدة.

ويبلغ حجم خطة التحفيز الاقتصادي الروسية 4.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لكنها ترفع أسعار الفائدة لدعم الروبل ووقف تدفقات رؤوس الأموال للخارج مع فرار المستثمرين من الأسواق الناشئة.

بدوره سعى رئيس الوزراء الصيني وين جيا باو لطمأنة العالم بأن الصين ستفي بوعودها بشأن تحقيق نمو بمعدل ثمانية بالمئة في 2009 على الرغم من انهيار الطلب الغربي على المنتجات الآسيوية وأنها قد تنفق المزيد عل خطط تحفيز اذا تطلب الأمر من أجل تحقيق النمو المستهدف وكشفت بكين بالفعل عن خطة تحفيز بقيمة أربعة تريليونات يوان 585 مليار دولار لتوسيع وتسريع الإنفاق الحكومي.

وتم إحراز تقدم في بعض المحادثات اذ من المتوقع أن يساند وزراء مالية مجموعة العشرين دعوة بشأن تقديم المزيد من الأموال لصندوق النقد الدولي لمساعدته في مكافحة الأزمة.

وظهرت مؤشرات إيجابية كذلك من أسواق المال الأكثر تضرراً وسط دلائل على أن البنوك الأمريكية الكبيرة قد تنجو دون استحواذ كامل من الحكومة عليها.. لكن إيجاد حل لأصل المشكلة وهو ما يتعين عمله إزاء كم هائل من الأصول عالية المخاطر لدى البنوك ما زال مراوغاً وانتعاش الاقتصاد العالمي معلق على دعم القطاع المالي الذي يواجه مصاعب كبيرة.

وسيجتمع وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية من مجموعة الدول العشرين بالقرب من برايتون في انكلترا يومي الجمعة والسبت لبحث خارطة طريق لمعالجة أسوأ أزمة مالية منذ الكساد العظيم في حين سيجتمع زعماء مجموعة العشرين في الثاني من نيسان في لندن.

وتمثل مجموعة العشرين أكثر من 80 بالمئة من الاقتصاد العالمي اذ تضم مجموعة الدول الصناعية الكبرى السبع وجميعها دخلت في حالة كساد أو توشك على الدخول فيها بالإضافة إلى أسواق ناشئة رئيسية مثل روسيا والصين والهند والبرازيل.

وفي أوائل الأزمة قامت البنوك المركزية بخفض منسق لأسعار الفائدة لدعم الطلب لكن الإجراءات المتعلقة بالسياسة النقدية ظلت دون تنسيق حتى الآن وأعلنت العديد من الحكومات خطط تحفيز وخططاً ضخمة لإنقاذ البنوك لكن اقتصادياتها ظلت تغرق بدرجة أكبر في الكساد ومالياتها ترزح تحت وطأة مزيد من الديون.

وانكمش الاقتصاد العالمي لأول مرة منذ عام 1945 في الربع الأخير من عام 2008 ما أخرج الملايين من وظائفهم وتوقع صندوق النقد الدولي أن يكون النمو العالمي سلبياً في 2009 في أول انكماش سنوي منذ أكثر من 60 عاماً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى