مقالات وآراء

كتب «أحمد دهان» .. حدث في مثل هذا اليوم !!!

لم يكن يوماً عابراً في حياتي .. إنما كان كابوس أليم أرخى بظله علينا قبل عام من الآن .. كان عام حزن .. عام وجع .. عام من التوتر والآلام وسط فرحة من الانتصار …
في حياة كل إنسان عام يشكل في حياته قمة الوجع .. قمة الآلام .. القمة التي تصنع منا أرواحنا تراباً ميتاً يستسهل الموت ويوقن الحياة .. شعور غريب ذلك الذي يراودنا في اللحظات العصيبة من حياتنا .. فينقلب الألم إلى واقع .. والواقع إلى صرخات .. والصرخات إلى فاجعة … هكذا تكون مشاعرنا في عام الحزن والذي لطالما ذاق مرارته كل إنسان على وجه المعمرة , من الرسل والأنبياء والقدسيين إلى عامة الشعب الذي يترسم في تاريخهم عام يتوجع بالآلام والأوجاع العظيمة …
قبل عام من الآن , أي في الحادي عشر من كانون الأول لعام 2016 , كان قمة الوجع وقمة الألم في عام كان بالنسبة لي ولعائلتي عام الحزن , فلن يسقط هذا التاريخ من سلسلة المواقف الصعبة ولن يمضي بالذاكرة دون دموع .. لسنا وحدنا في هذا العالم من يتوج عاماً من أعوام حياته بالحزن , فطالما مضى الكثير من السوريين بحفر تواريخ مؤلمة على قبور أحبابهم الذين رحلوا .. رحلوا في ظل الحرب الطاحنة والدائرة بين قوى الشر والخير .. بين قوى السلام وقوى الضلال .. بين قوى الاستقلال وقوى الاحتلال …
قبل عام وفي مثل هذا اليوم , شعرت بنهاراً ليس عادي !! .. فجميع من حولي يبارك لي بعودة حلب إلى حضن الوطن .. ساعات تفصلنا عن إعلان حلب خالية من الإرهاب .. وكانت الابتسامة معبرة على وجهي ووجوه الكثيرين من أبناء مدينة الصامدة .. ولولا شعور بداخلي بأن شيئاً عظيماً يترقب بنا مع ولادة هذا اليوم الجديد .. لكانت الفرحة غمرتنا بجعلنا نهرول إلى مدينتا نشارك الجماهير فرحة الانتصار ..

لم أعلم في البداية لماذا هذا الشعور ؟؟ لكنني شعرت بأنني أصادف أروحاً تنبعث من الأرض إلى السماء .. كانت الأرواح تدور من حولي وسط حضور الأصدقاء والناس من حولي .. لم أعلم من هم ولا من هي هذه الأرواح .. إلا أنني شعرت بلحظات من التعب والوهن والألم .. شعرت وكأن أرواح قدسية تناديني وتذكرني بماضي اندفن في عمق الماضي ..  فأصوات الراحلين من أجدادي وأعمامي وأخوالي كانت تنادين .. وكانت تصرخ بداخلي .. شعور غريب أن أتذكر الماضي والراحلين من عائلتي في لحظات الفرحة والانتصار على الإرهاب ..

مضيت في عملي الروتين اليومي لست مبالي بمشاعري , وأقنعت نفسي بأنني أمضي بذاكرة التاريخ دون مبرر , حتى وصلني الخبر الأليم .. نبأ فقدان أبي وأخي وعائلته في ظل الاشتباكات الدائرة في المنطقة «الكلاسة» , وسط تجبر وإصرار الجماعات الإرهابية على اتخاذ المدنيين دروعاً بشرية وعدم انسحابها من المناطق الشرقية رغم أن حربها خاسرة ..
كان النبأ الأول بأن المبنى الذي فيه بيت «العائلة» تعرض لانهيار كامل نتيجة التفجيرات التي أقدمت عليها الجماعات الإرهابية في المنطقة , كان شعور سيئ للغاية وإحباط كبير بأن البيت الذي جمعنا في الصغر فقدناه بالكبر !! .. ورغم ذلك كان اهتماماً الأكبر بأفراد العائلة الذين انقطع التواصل معهم .. هل تركوا البيت قبل انهياره أما ظلوا بداخلها ..

لم يدخر أفراد العائلة والأصدقاء جهداً إلا وبذلوه معنا .. إلى أن تمكنا بعد قرابة 20 يوماً من ترحيل الأنقاض والعثور على جثامينهم الطاهرة وسط ركام المبنى والأسقف المنهارة وهم بلباس النوم , ربما كانوا غارقين بنوم عميق وأكملوا نوماً ليصلوا إلى ديار الحق … كانت جثامينهم تحكي قصة معاناتهم مع الحصار والجوع والخوف , الست «أبي مع أخي وزوجته وبناتهم الثلاثة» غضوا في نوم عميق لا ينتهي إلا بقيام الساعة .. تركوا الحياة واختاروا الرحيل إلى السماء .. فكانت الأرواح التي أيقظتني من مثل هذا اليوم من العام المنصرم , أرواحهم التي أبلغتني السلام إلى كل الإنسانية ..
أرواح امتزجت بين الطفولة البريئة والشيخوخة الموقرة التي لا تجيد إلا الكلام الطيب والسلام والتحية على العابرون .. أرواح طاهرة أراد الله أن يمتحن إيماناً وصبرنا بها , فكان الواقع كالخيال , والألم موجة من الحزن .. ولم يمضي علينا الحدث إلا بشيءٍ من الصبر والإيمان بالله والوطن .. فإيماناً بأن سورية ستبقى منتصرة واحدة أكبر من الألم .. إيماناً بأن الله مع الحق أكبر من الأوجاع ..
في مثل هذا اليوم خسرنا أحبتنا .. وفي مثل هذا اليوم ولد أعظم الأوجاع في حياتي , وفي مثل هذا اليوم بدأ فصل جديد من فصول مشقتنا مع الزمن , لعلها بداية جديدة من النور فمن الصخر تولد الزهور ومن الألم يولد الأمل .. هكذا قدر السوريين حول العالم أن يبتسمون وفي ضلوعهم آلاف الأوجاع والآلام التي تخبأها قصص التاريخ.

بواسطة
أحمد دهان
المصدر
شهبانيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى