سياسية

الرئيس الأسد أمام قمة الكويت: دعم حق المقاومة الصريح بالرد على العدوان

ألقى السيد الرئيس بشار الأسد رئيس القمة العربية في دورتها العشرين كلمة اليوم في افتتاح أعمال القمة العربية الاقتصادية والاجتماعية والتنموية.. قمة التضامن مع الشعب الفلسطيني في غزة قال فيها..
الأخوة القادة العرب،أيها السيدات والسادة، بداية، أتوجه بالشكر للكويت الشقيقة، حكومة وشعباً، لاستضافتها هذه القمة الاقتصادية الأولى من نوعها في الوطن العربي، وهي التي دأبت على الإسهام الجاد في توفير الإمكانات المادية والمعنوية لتدعيم العمل العربي المشترك، وأخص بالتحية والشكر أخي سمو الأمير صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت على ما بذله من جهود خلال الفترة الماضية من أجل انعقاد هذه القمة والتي تعكس تنامي الوعي الشعبي والرسمي بأهمية الحوار في الشأن الاقتصادي، بهدف تحقيق المزيد من التكامل والتنسيق بين أقطار الوطن العربي، لاسيما في ظل ما يشهده عالمنا الراهن من تحولات سريعة، وما يعانيه من أزمات يمكن لدولنا العربية أن تحقق فيه شيئاً من الفائدة من خلال تنسيق سياساتها وتوجهاتها الاقتصادية.

ولاشك، أنه يحول دون تحقيق ذلك عقبات كثيرة، يأتي في مقدمتها ضعف الإرادة السياسية التي يتوقف عليها، قبل غيرها، مسألة تحديد الحدود المرغوبة أو الممكنة لهذا التنسيق. فإذا كان الاقتصاد يشكل رافعة للسياسة، والأساس المتين لتحقيق بنية أفضل للعمل العربي المشترك، فإن وجود الإرادة السياسية وتوفر الإدراك المشترك بين القيادات السياسية لأهمية التعاون الاقتصادي ، سيدفع بعجلة التفاعل والتكامل الاقتصادي إلى الأمام.

وإذا كان الترابط بين السياسة والاقتصاد هو من البديهيات، فإن الكلام في السياسة كثيراً ما يبقى في حدود القضايا السياسية، بينما من الصعب أن ينأى الشأن الاقتصادي بنفسه عن القضايا الأخرى التي تؤثر به، خاصة السياسة التي تنتج الأمن والاستقرار وتؤدي للتنمية أو العكس. ويزيد من هذا الترابط في وطننا العربي، أننا نعكس طبيعة علاقاتنا السياسية على العلاقات الاقتصادية بشكل مباشر، وربما من دون إعطاء الأولوية للعوامل الأخرى الضرورية للاقتصاد، وبشكل يخالف أسس الاقتصاد نفسه.

فنرى أن العلاقة الاقتصادية تتحسن طرداً مع تحسن العلاقة السياسية، وهذا إيجابي ولكن عندما تتردى هذه العلاقة فعلى المواطنين وأصحاب المصالح في البلدان المعنية، أن يدفعوا الثمن المباشر الذي قد يكون باهظاً في كثير من الأحيان. وكلنا يعرف ويعيش تذبذب العلاقات العربية ـ العربية خلال العقود الماضية، وكلنا يعي أن مثل هذا التذبذب لا يمكن أن يؤدي إلى علاقات اقتصادية سليمة ومتطورة، لأنه يضع لها سقفاً من الصعب تجاوزه مهما عقدنا من اتفاقيات ومعاهدات، طالما لم نوفر لها الآليات والبنى التي تمأسِسُ هذه العلاقات وتفصلها عن توجهاتنا السياسية وأمزجتنا الشخصية.

وهذا من شأنه أن يعطي الثقة والطمأنينة للمستثمرين والعاملين، وينعكس إيجاباً على المواطنين في الدول العربية المختلفة. ولو أجرينا مقارنة سريعة بين المجلس الاقتصادي العربي ونواة الاتحاد الأوروبي اللذين أسسا في بداية الخمسينيات، والفارق الشاسع بين ما أنجزناه كدول عربية وبين ما أنجزته أوروبا خلال هذه الفترة الزمنية، لأمكن استيعاب مقدار التقصير من جانب وحجم المسؤولية من جانب آخر لكي نتمكن من تعويض ما فاتنا.

ولا أحد ينكر أننا أنجزنا عدداً من الخطوات في هذا الإطار، لاسيما بعد دخول منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى حيّز التنفيذ عام 2005، ولكن هذا سيبقى مجرد خطوات قليلة، وسيبقى تأثيرها محدوداً في تحقيق التكامل الاقتصادي العربي ، ما لم تتم متابعتها بخطواتٍ أخرى، كتحرير تجارة الخدمات، وحرية تنقل الأفراد، بالإضافة إلى اعتماد آليات لتعويض الدول المتضررة من الآثار السلبية لعملية التحرير، وبشكل خاص نقص الإيرادات بما يضمن العدالة والفائدة في وقت واحد.

وإذا كان الاتفاق على عقد هذه القمة التخصصية قد تم منذ زمن سبق اندلاع الأزمة المالية العالمية، فإن انعقادها يتم بعد حدوثها وفي ظل تداعياتها التي أصابت الأغنياء في العالم أولاً، وانعكست على الفقراء ثانياً. ونحن كجزء من النظام الاقتصادي العالمي، لابد أن تصيبنا آثار الانهيارات الحاصلة، بصورة أو بأخرى. ومن شأن التكامل الاقتصادي فيما بيننا، أن يخفف الخسائر ويؤمن الحماية في ظل أية أزمة عالمية أو إقليمية قد تظهر مستقبلاً، ويزيد من قدراتنا في ظل منافسة عالمية شديدة في مختلف الظروف، ويعيد توجيه الاستثمارات العربية إلى بيئتها الطبيعية، ويحقق التنمية بمفهومها الشامل.

أيها الإخوة،

أيها السيدات والسادة،

بما أننا نؤكد على ارتباط الاقتصاد بالسياسة، فمن غير الممكن أن نتجاوز أحداثاً سياسية هي الأخطر بالنسبة لنا، وهي الشغل الشاغل للمواطنين العرب ولغيرهم، وتطغى على ما سواها من القضايا، وهو ما يحصل في غزة من إجرام لم نشهد له مثيلاً بتداعياته الخطيرة التي قد تنعكس على بلداننا، في مجالات الحياة كافة، سياسياً واقتصادياً وإنسانياً.

ولكل قضية أهلها وأصحابها المعنيون بها قبل غيرهم، ولسنا هنا لكي نتخذ القرارات أو نصدر البيانات بالنيابة عنهم، ولا لكي نمارس الضغوط عليهم، بل نحن هنا كي نقف إلى جانبهم.. من هم؟ هم الذين يدفعون الثمن، الموجودون على الأرض في غزة المقاومة الباسلة، الذين أصروا على خوض معاركهم المشرفة، العسكرية كما السياسية، بأنفسهم دون أن يوكلوا أحداً بها نيابة عنهم.

وقضيتهم ذات جانبين، سياسي وإنساني، كلاهما يتم اختصاره بعملية إبادة شاملة، تعكس، دون أدنى شك لدينا، الحقد والعنصرية لدى الإسرائيليين، ولكن القيام بها كان صعباً لولا الانقسام الفلسطيني الذي كان، بدوره، وبأحد أوجهه، انعكاساً لخلافاتنا العربية. وإذا كانت معالجة هذه الخلافات ضرورية في كل الأحوال، ولاسيما لتلافي مثل هذه الانعكاسات في المستقبل، فإن معالجة الوضع الراهن بحاجة لقرارات سريعة وحاسمة في المسائل التالية:

وقف العدوان، وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الإسرائيلية المعتدية، فك الحصار فوراً، وفتح المعابر لكي يبقى الجرحى أحياء، والأحياء أصحاء، وهذا أضعف الإيمان. يضاف إلى ذلك أهمية وحيوية مشاركتنا جميعاً في إرسال المساعدات الإنسانية حالياً، والمساعدة في إعادة إعمار غزة لاحقاً.

ولا يقلّ أهمية عن كل ما سبق، دعمنا السياسي والمعنوي لغزة من خلال التأكيد على حقها بالدفاع عن نفسها بكل الوسائل وحق مقاومتها الثابت في الرد على العدوان، وما يعنيه ذلك من ضرورة دعمنا الصريح غير الملتبس للمقاومة الفلسطينية، ورفض كل ما من شأنه التشكيك في وطنيتها أو شرعيتها أو إضعافها. ورداً على وصمها بالإرهاب من قبل أي كان ، أقترح على هذه القمة أن تتبنى رسمياً وصف الكيان الصهيوني بالكيان الإرهابي، خاصة بعد العدوان الأخير، فعندما ينوي شخص ما أو يقوم بعمل إرهابي، لا نتردد باتهامه بالإرهاب، فكيف لكيان يقوم بذلك منذ عقود وبشكل متكرر ولا ينتخبوا لقيادته سوى الإرهابيين خاصة.

وعلى الرغم من أن هذا الكلام يأتي بعد إعلان وقف إطلاق النار، فهذا لا يعني أبداً انتهاء العدوان، وبالتالي، ليس مبرراً أو دافعاً لنا للاطمئنان، فالقوات الغازية مازالت في غزة، والحصار مازال مطبقاً عليها وينهش لحم أبنائها، والنوايا العدوانية للإسرائيليين وحقدهم على العرب لم ولن تتغير. أما ذلك الجزء من العالم الذي يسمي نفسه العالم المتحضر فهو مصرّ على أن يبقى مصاباً بالعمى الإرادي، لذلك رأى بأن المشكلة هي سلاح يهرَّب وليس جرائم تُرتَكب بأسلحة محرّمة دولياً، وهذا ليس مساواة للجلاد بالضحية كما يعتقد البعض خطأ، بل هو استبدال الضحية بالجلاد. كل هذه المعطيات تجعل تكرار هذا العدوان احتمالاً وارداً في أي وقت، إلى أن تتغير السياسات الإسرائيلية، وهو أمر بعيد الاحتمال، أو أن نغيّر نحن الظروف، وهو الأجدى والأنفع والذي يعتمد أساساً على تضامننا، لكن تضامننا مع قضايانا وليس تضامننا ضد قضايانا.

أيها الأخوة،

أيها السيدات والسادة،

إذا كانت الظروف قد فرضت أن يكون اجتماعنا اليوم سياسياً بمقدار ما هو اقتصادي، فأتمنى أن تكون هذه القمة، قمة قرارات لا قمة تسويات، قمة تخدم اقتصادنا العربي، وتخدم مبادئنا القومية والإنسانية، تشجع الاستثمار بين دولنا وتقف في الوقت نفسه مع المقاومين من خلال دعم حقهم الشرعي في المقاومة طريقاً لاستعادة الحقوق، فإذا كانت التنمية أساساً لوجودنا، فالمقاومة أساس لبقائنا واستمرارنا، فلنكن نحن عمقها لكي تكون هي ضمانتنا.

والسلام عليكم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى