القضية الفلسطينية

علامة فارقه في تاريخ النضال الفلسطيني والعربي

لقد ادركنا مبكرا ان الصراع مع الاحتلال الاسرائيلي صراع حياة وبقاء ، وانه صراع شاق ، وتتداخل فيه الكثير من التعقيدات لكنه ليس عسيرا على الحل الذي امتشقنا السلاح من اجله مبكرا ، ونذر شعبنا حياته من اجل انجاز الحرية والاستقلال والعودة
 ، وبغض النظر عن مراحل النضال واشكاله المتعددة ، ولكن الهدف بقي موحدا وبقيت فلسطين رغم التعارضات التي نشبت داخل الصف الفلسطيني التي هي بيت القصيد ..

في تشرين تصادف الذكرى السنوية لعملية اكيلي لارور التي قام بها ابطال جبهة التحرير الفلسطينية عام 1985 التي قيل الكثير عنها بوسائل الإعلام وحاول العالم وصمها بالإرهاب وتم عمل أفلام ومسلسلات في واقعها خطت الكتب والمذكرات التي تستعرض تفاصيلها وتحدث عنها الكثيرون ولكنها ستظل علامة فارقه في نضال شعبنا الفلسطيني وستظل هذه العملية وأبطالها الذين استشهدوا او مازال منهم على قيد الحياة أبطال للشعب الفلسطيني ، وان سفينة اكيلي لاورو كانت وسيلة للوصول الى ميناء اشدود ، وكان هدف العملية واضح هو الرد على مجزرة حمام الشاطئ في تونس الذي ذهاب ضحيتها العشرات من الشهداء الفلسطينيون والتونسيون حيث مقر منظمة التحرير الفلسطينية بهدف اغتيال رمز فلسطين الشهيد القائد الرئيس ياسر عرفات، بعد خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان صيف عام 1982، وإثبتت العملية بانه يمكن للثورة الفلسطينية الوصول إلى أهدافها رغم كل الإجراءات الامنيه المتخذة واجتياز كل العوائق والمطالبه بتحرير الاسرى المعتقلين داخل السجون الصهيونيه ، وأبراز قضية شعبنا في المحافل الدولية.

العملية لم تكن هدفها خطف مواطنين ، ولكن ما جرى على متنها هو اكتشاف ابطال المجموعة ، مما استدعى من قبل المجموعة قرار تحويل وجهتها الى مكان اخر حفاظا على دماء الابرياء ، وامام هذه العملية استغلت اسرائيل عبر وسائل الدعاية الصهيونية العملية واتهام الشهيد القائد ابو العباس بخطف السفينة الذي كان على متنها اربعمائة مواطن من جنسيات مختلفة ، حاول الشهيد القائد ابو العباس ارجاع السفينة وانقاذ حياة المواطنيين الذين كانوا على متنها ، ولكن الغطرسة الامريكية قامت باختطاف الطائرة المصرية التي كان على متنها هو وابطال المجموعة ، وبعد هبوط الطائرة في احدى قواعد الناتو في جزيره صقليه في ايطاليا ، منعت القوات الايطالية اي جهة من الاقتراب من المجموعة وعملت على اطلاق سراح الشهيد القائد ابو العباس واحتجزت افراد المجموعة ، وأصبحت هذه العملية هاجس عند الاحتلال ، واثبتت العملية القدرة العالية للمناضلين بالتضحية والاستشهاد من اجل قضيه عادله هي قضية فلسطين التي استشهد من اجلها عشرات الاف.

واليوم ونحن نسلط الضوء على تاريخ هذه العملية نتوقف امام تاريخ الشهيد القائد ابو العباس الحافل بالعطاء والتضحية، فهو قائد مارس كل أشكال النضال والكفاح من الاعتصام والمسيرة إلى العمل الجماهيري والسياسي والعسكري، والمطاردة والاعتقال، وهو مسكون بهاجس العودة إلى فلسطين، هذا الحق الفردي والقانوني والتاريخي والإنساني، يرى أنه المرتكز الأساسي وجوهر القضية الفلسطينية، وآمن بالمعركة السياسية التي تقودها قيادة منظمة التحرير ، لانها معركة نموذجية وتعبر بصدق عن الارادة الفلسطينية، و ادرك بعد توقيع اتفاق اوسلو ان اهمية ان تتحول مناطق الحكم الذاتي الى خطوط مواجهة اولى مع الاحتلال عبر المقاومة الشعبية لانه كان يرى ان المفاوضات لا يمكن ان تجلب للشعب الفلسطيني لا عودة ولا قدس، ولا وقف استيطان، وهو كان على قناعة تامة أنه بدون البعد القومي والاممي والحاضنة العربية وتضامن احرار العالم مع النضال الفلسطيني،فإنه من غير الممكن أن يحقق الشعب الفلسطيني ،أهدافه في الحرية والاستقلال والعودة ، حيث عاش على ارض العراق الشقيق سبعة عشر عاما لم يستطيع المغادرة الى حين اعتقاله من قبل قوات الاحتلال الامريكي بعد احتلالها للعراق عام 2003 وكان يواجه مصيره بشجاعة متسلحا بسلاح الإرادة الصلبة والإيمان الذي لا يتزعزع بقضية الشعب والوطن، حيث تم اعتقاله على مرأى ومسمع العالم واستشهد في معتقلات الاحتلال الامريكي بعد عام على اعتقاله .

ابو العباس عاش واستشهد من اجل قضية شعبه، وستتذكره الأجيال القادمة،بأنه عاش من أجل فلسطين، واستشهد من أجلها وظل مفعما ومتسلحاً بالإرادة والأمل بالعودة إليها، وإلى مسقط رأسه في الطيرة التي هجر وطرد منها بقوة السلاح ، وأنه رغم كل ما تشهده الساحة الفلسطينية من تشظي وانقسام، وما تعيشه الشعوب العربية من ربيع عربي، فإن شعباً عظيماً مثل الشعب الفلسطيني، قدم عشرات الآلاف من الشهداء ومئات الآلاف من الأسرى ،ويتسلح بالإرادة ويمتلك من الإمكانيات والطاقات الشيء الكثير، لا يمكن له أن يهزم، وما يحدث ويجري على الساحة الفلسطينية، ما هو إلا سحابة صيف،وإن خطاب الرئيس محمود عباس في الأمم المتحدة، شكل خطوة انعطافية نحو مرحلة سياسية جديدة.

واليوم نرى أن وحدة الشعب والأرض والمؤسسات تصون حق شعبنا في النضال بكافة اشكاله من أجل دحر الاحتلال والاستيطان وتحرير الأسرى واقامة الدولة المستقلة بعاصمتها القدس وضمان حق العودة وتقرير المصير، في مرحلة تتسم بطابعها التحرري الوطني تحت رايات منظمة التحرير التي تضم الجميع الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا في كافة أماكن تواجده.
وغني عن القول نؤكد ان خطاب الرئيس شكل خطوة في الاتجاه الصحيح، حيث اكد الشعب الفلسطيني للعالم وقوفه خلف قيادته وتمسكه بحقوقه الوطنية، ومن هنا المطلوب تعزيز الدور الوطني للقيادة الفلسطينية لان بذلك نعزز صمود الشعب الفلسطيني وهو يخوض معركته السياسية المحتدمة في الامم المتحدة من اجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية والحقوق .

ومن هنا تحتل مكانة شهر اكتوبر سمة خاصة في تاريخ شعبنا العربي والفلسطيني و تاريخ جبهة التحرير الفلسطينية ، فكانت انتصارات حرب تشرين التي قادها الجيش العربي السوري والمصري حرب مجيدة كتبت بأسمى آيات البطولة والفداء في أكتوبر عام 1974 واظهرت هذه للشعوب كما ينبغي لها أن تظهر بانها قادرة على توحيد كلمتها وجمع صفوفها وحشد امكاناتها , لان الامة العربية زاخرة بالبطولة والشهامة ولا شك انها اضافة محطة في مسيرة حركة التحرر العربية ستصنع تشارين اخرى، بغض النظر عن اخفاق وصول عملية اشدود الى سواحل فلسطينى عام 1985 ، ولكن ابطالها قالوا للعالم و لقادة العدو الصهيوني نحن سنبذل الغالي والرخيص من اجل الرد على مجازركم ، ونحن على استعداد للتضحية في سبيل حرية فلسطين واسراها ، ونحن من يحدد الزمان و المكان المناسبين متى أردنا ،واليوم الشعب الفلسطيني بكل فئاته ومناضليه يرى ان الابعاد السياسية الراهنة التي تقوم بها القيادة الفلسطينية تتطلب ارادة فولاذية ورؤية ثاقبة والتفاف جماهيري .

وغني عن القول أن عملية اكيلي لاورو كان هدفها واضح ، وبوصلة مناضليها كانت فلسطين ، ولم يتعود مناضلي جبهة التحرير الفلسطينية قتل الابرياء ، والشهيد القائد ابو العباس شكل علامة فارقه في تاريخ النضال الفلسطيني حتى استشهاده كان متسلحاً بنفس قناعاته وأرائه، وهو يمثل رمز من رموز عمالقة النضال الوطني الفلسطيني،الذين تركوا بصماتهم على النضال العربي والفلسطيني، وحافظوا على أن تبقى قضية شعبنا حية رغم ان محاولات دولية تسعى لأن تختزل حقوق الشعب الفلسطيني بدولة مقيدة بالعديد من الشروط التي تحتويها والتي تقوض إمكانات السيادة والاستقلالية لها.

ان مناضلي الشعب الفلسطيني الذين ترعرعوا على ارض فلسطين وفي اماكن اللجوء والشتات تمسكوا بكافة اشكال النضال، الذي يشهد لها التاريخ من أجل التحرير واستعادة الحقوق ، حيث اثبت هؤلاء الشباب اليوم انهم يقاتلون الاحتلال بحجارة من سجيل في نعلين وبلعين والمعصرة ودبوس والقدس، حتى أبهروا العالم بأسره لما فاقت الإنسانية من سباتها ورأت بالعين المجردة كيف يهزموا الاحتلال المدجج بالأسلحة ، كما فعل شباب و اطفال عزل في انتفاضة الاقصى بشجاعة أسطورية لم تسجل مثيلها كل انتفاضات التاريخ.

لا بد من القول ان اختيار إستراتيجية جديدة شاملة قادرة على توحيد الشعب وإعادة الاعتبار للقضية، وما قرارات الأمم المتحدة إلا سلاح جديد يضاف إلى الأسلحة الكثيرة التي في جعبة الشعب الفلسطيني، يسعى فيه إلى تحقيق الدولة الفلسطينية كأحد حقوق الشعب الفلسطيني وخاصة فيما يتعلق بحق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم وفق القرار 194، والتأكيد على دور ومكانة منظمة التحرير، كما علينا ان نؤكد بان الربيع العربي الذي تحاول تغير مساره الولايات المتحدة يتطلب من الشعوب التنبه لما يحمل من مخاطر محدقة وخاصة بعد ان تكشفت المؤامرة الحقيقية سوريا ، و عليه يجب أن تبقى القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للشعوب العربية .

خاتما ، الف تحية للاسرى الذين يخوضون معركة البقاء والحياة ، والف تحية لشهداء عملية اكيلي لاورو ، والف تحية لشهداء فلسطين ولشهداء ملحمة النضال التونسي الفلسطيني في حمام الشط ولشهداء حرب تشرين والعهد ان نبقى نناضل من اجل تحقيق الحرية والانتصار .

بواسطة
عباس الجمعة / رئيس تحرير صحيفة الوفاء الفلسطينية
المصدر
زهرة سورية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى