مقالات وآراء

الديبلوماسية الدينية … وسورية بقلم المهندس باسل قس نصر الله

من المعروف أن الديبلوماسية هي أساس السياسة الهادفة للاهتمام بوسائل الاقناع في التفاوض والتفاهم مع المجتمعات الاقليمية والعالمية، ومن يعيد الاعتبار للديبلوماسية فهو بالضرورة يبدي اهتماماً بوسائل الاقناع والتفاوض والتفاهم، كما أن الحرب والتي هي الوجه الآخر
وليس مخطئاً من قال أنه في عالم السياسة والديبلوماسية، تكون الكلمة هي العملة السائدة، ولو أُستخدمت بحصافة يمكنها إقامة إجماع عام او تكون رديفاً لإثراء أمة.

ومن الأدوار التي تتشكل الديبلوماسية معها، هناك على رأسها ديبلوماسية العلاقات الرسمية (البعثات) وتظهر معها ديبلوماسيات متممة منها ديبلوماسية العلاقات العامة، والحفلات وديبلوماسية المآتم والديبلوماسية الشعبية والرياضية والاقتصادية (ولا شك في ان حظر 1973 وارتفاع اسعار النفط، شكلاً مناسبة لدخول الديبلوماسية السعودية المسرح العربي والدولي).

في الديبلوماسية لا توجد أجوبة ونظريات ثابتة يتم تعميمها على الصراعات، فكل صراع هو حالة لا تتشابه مع الحالات الأخرى، وكل صراع تختلف فيه الخيارات الديبلوماسية حسب الزمن، فخيارت يوم ما، تختلف حتماً مع خيارات اليوم التالي. لنأتي على المقطع الفاصل الذي اعاد ترتيب وتغيير وجهات نظر الديبلوماسية، فلقد ادت هجمات 11 ايلول الى ظهور عدد من الاقتراحات الهادفة الى تحسين صورة اميركا في مجمل العالم الاسلامي. فتم اقتراح انشاء "مجمع اسلامي عالمي معتدل". كما تم اطلاق برنامج فرص متساوية ولكنه لم يدم طويلاً حيث عهد به الى شركة علاقات عامة في ماديسون افينيو، وكان يهدف الى ان تبث على الشاشات الوطنية للدول الاسلامية مقتطفات مصورة للمسلمين الاميركيين تبين حياتهم السعيدة في البلد الذي تبناهم. لم تقبل سوى محطات محلية قليلة ببث هذا البرنامج، بينما كانت نسبة نجاحه في المحطات الاخرى متدنية جداً، إذ لم يكن المشاهدون يجهلون أن أبناء دينهم يحظون بحياة رفاهية في اميركا وكان الكثيرون يحلمون باللحاق بهم لو تيسر لهم ذلك، ولكن ذلك الشعور لم يكن كافياً لإقناعهم بصحة السياسة الخارجية الاميركية.

لقد اعتمدت اميركا على الديبلوماسية الشعبية والتي تكمن غايتها في عرض صورة نمط الحياة والقيم الامريكية بعيدا تماما عن الاحداث اليومية، حتى أصبح كل ما تطمح اليه الدبلوماسية الشعبية الامريكية الآن هو انتاج برامج يمكن بثها عبر القمر الصناعي لتلتقطها أمم اجنبية في بلدانٍ صديقة قد تستفيد منها وقد لا تهتم بها، ولكن لا يجب أن ننسى أن أُفق الديبلوماسية الشعبية لا يحسب بالاسابيع أو الأشهر بل لا بد من تقويمها عبر مدد زمنية اطول وارحب حتى يكون التقويم ناجحاً.

منه نرى بوضوح أن اميركا تستخدم الدين في ديبلوماسيتها الحالية، يضاف لها تصرفات تضفي على الديبلوماسية أو صناع القرار السياسي صورة دينية تساعد على كسب القواعد الكثيرة في البلدان الاسلامية، وصورة الرئيس الاميركي أوباما في مصر (الأزهر) مع مستشارة مسلمة (محجبة) لا يجب أن تفارق رؤى صانعي السياسة في العالم عامة. والتاريخ العربي يعطينا نموذجاً من استخدام الديبلوماسية الدينية حيث أرسل الخليفة "المستنصر بالله الفاطمي" سفيراً الى الامبراطورة البيزنطية "تيودورا" وهو "القضاعي" "محمد بن سلامة بن جعفر بن علي بن حكمون المصري، ابو عبد الله" والذي عُرف كقاض وفقيه شافعي.

اليوم وبعد هجمات أيلول نسمع عن حوار الثقافات والحضارات وكل ما يدور في فلكها من حوار الأديان ومؤتمرات لها وندوات ، إلا أننا لا يجب أن ننسى أن كل ذلك يصب في خانة الديبلوماسية، ويجب على السياسيين معرفة استخدامها تماماً. ولا شك ان حوار الحضارات والثقافات لا يستطيع طبعاً ان يحل جميع مشاكل الحاضر، وتنحصر مهمته في منح السياسة العالمية بعداً روحياً بتقديمه المعايير الأخلاقية المسلكية لحل القضايا المعلقة بين الدول وبتقريبه المسافة بين الشعوب ومساعدته لهم على محق البغض والعداوة. كما أصبحت السياسة العالمية يعاد تشكيلها حسب الخطوط الثقافية فالشعوب والدول ذات الثقافات المشتركة تأخذ في الالتقاء . والشعوب والدول ذات الثقافات االمختلفة تأخذ في التباعد.

إن التنظيمات الارهابية (والتي لن تبعد أية دولة عن تصرفاتها) هي جماعات خاصة وليست منظمات حكومية .انها قد تمول من دول قائمة ، لكن أهدافها ليست متطابقة مع اهداف تلك الدول. بعض المبادئ القائمة للسياسة الخارجية لا تنطبق على هذه التنظيمات. فالردع غير مجد مع الجماعات التي لا يوجد لديها ما تدافع عنه. والديبلوماسية العادية غير مجدية مع الجماعات التي لاتريد التوصل لتسوية.

الا أن هذه التنظيمات التي أخذت الصفة الدينية الإسلامية والتي فشلت الديبلوماسية العادية في معالجتها، رأينا بعض الدول الاسلامية تنتهج مع هذه التنظيمات ديبلوماسية المناصحة وتحديث الافكار وغيرها، أما الدول الاوروبية ذات الغالبية المسيحية فأخذت باستراتيجية الاسلام المعتدل وتوجهت الى أمكنة وجوده.
لا يوجد إسلام معتدل أو متشدد، هناك إسلام واحد ولكن قراءات الأشخاص هي التي تتعدد بين التطرف والتسامح، وهنا يأتي دور رجال العلم الاسلامي والعرب من رجال الدين المسيحي، لنقل وتعريف المجتمعات الأخرى بماهية الاسلام من خلال تقديم صورة صحيحة عن الإسلام وشهادات حية من العرب المسيحيين، الذي يجب أن يفهم المسلمون قبل الآخرين، أنهم إذا أرادوا نقلاً واضحاً عن الاسلام فما عليهم إلا الاستعانة بأخوتهم العرب المسيحيين، الذين يفهمون القرآن الكريم من خلال لغتهم العربية، ومعايشة المسلمين على أرض واحدة، ومعرفتهم بادبيات الحياة الاسلامية.

إن عملية الانصهار في بوتقة المواطنة هي التي تعطي السند الواضح للمسلمين في المجتمعات ذات الصبغة المسيحية، إضافة الى الآمان الذي يشعر به المسيحي، وذلك من خلال عمل الجميع في الصالح العام للمجتمع الوطني، ويجب الاهتمام أنه لا يكفي ان يمثل المسيحيين مجتمعياً من يحمل ظاهر المسيحية في هويته، وهو في واقع الامر يتصرف بخلاف الرسالة المنتدب اليها، بحجة توقد دهائه السياسي، وبحجة تعقد الاحوال الاقليمية والداخلية، وبحجة انفطار السياسة كل السياسة، على قسط كبير من المكر والتوسليه الماكيافيلية.

بعد احداث ايلول قامت الكثير من المؤسسات الأمنية والسياسية الديبلوماسية بتوسيع رقعتها بحيث أوجدت أقساماً جديدة تنسجم مع الحالة الراهنة، ودولاً كثيرة استخدمت الدين بكل فئاته للمساعدة على تحسين صورتها أمام الرأي العام العالمي، وهو شيء جيد ومطلوب عمله، إلا أن التنسيق بين السياسيين ورجال الدين مطلوب بل هو ضروري لكي لا تخرج الاصوات متعددة لأن الادارة التي تبيح لنفسها الحديث بأصوات متفرقة في السياسة الخارجية لا تخدم المصالح القومية .

قد ياتي يوم في المستقبل يفكر فيه اولئك الذين اخفقوا في إدراك مدى أهمية الديبلوماسية الدينية بسلسلة طويلة من الحجج لتبرير الخطأ الذين وقعوا فيه لكن ذلك لن يساعد كثيرا لأن ساحة العمل لا توفر فرص النجاح لبرامج متعجلة تستهدف التعويض عن الخسائر التي جرت والتي لن تعاد ثانية لا لشيء الا لان عدداً كبيرا من الناس في بلدنا كانوا يغطون في النوم العميق اثناء السباق.

اللهم اشهد اني بلغت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى