سياسية

وليد جنبلاط .. عودة “الابن الضال” إلى دمشق

هل كان وليد جنبلاط يراهن على الحصان الخاسر عندما ألقى بكل أوراقه في سلة 14 آذار؟ ذلك، لأن الذي يعرف سيادة النائب وليد بك جنبلاط
يعرف تماما أنه يتمتع كثيرا بمزاجية الشعراء الثوريين، وكلاسيكية الزعماء التقليديين بالمعايير الحالية..! وهو مولع بالتغيير ويحب الإثارة كثيرا، رغم أن وقتها يمضي بعيدا الآن، وقد نقول أنه قد فات وزمانه ولى..! فقد كنا غالبا ما نسمع أو نشاهد أو نرى زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي يخرج علينا بتصريح غريب، أو موقف جديد، أو "صرعة سياسية" خارجة عن المألوف، وهو إما يفزعنا ويجعلنا نشتمه، وإما يثيرنا فرحا فنضحك حتى نقع أو نكاد ، حتى أصبح وليد بك، فعلا شخصا مثير للجدل، وعلى نحو غير تقليدي بالمطلق.

فبعد أن ربط مصيره بمصير الأحزاب اللبنانية المعارضة للمقاومة، والمتوافقة فيما سمي بجماعة 14 آذار، من أجل مناهضة المقاومة والفلسطينيين، ومع سحب السلاح، بل وحتى امكانية التوصل إلى سلام مع الحكومة الصهيونية، والتي كان في معظمها مواقف تصب ضد سوريا في الأغلب الأعم.

والأغرب من ذلك أن تاريخ الحزب التقدمي الاشتراكي، والذي صنعه والده الراحل كمال جنبلاط، كان دائما مع المقاومة، ومع التصدي للدولة العبرية واعتداءاتها المتكررة على لبنان – على الدوام – حتى تولى وليد بك جنبلاط زعامة الحزب التقدمي الاشتراكي، وظل متماسكا في مواقفه مع المقاومة ومع الأحزاب التقدمية قرابة عقدين من الزمان، حتى بدأت الأصوات ترتفع بضرورة خروج سوريا من لبنان، واستقلالية لبنان، ونزع سلاح المقاومة الوطنية اللبنانية وحزب الله، ومهادنة العدو الصهيوني، عبر الوسيط الأمريكي دائما، رغم الانتصارات المتوالية التي كان يحققها حزب الله، والتي كسرت الاسطورة العسكرية الصهيونية، خاصة بعد استعادة الجنوب سنة 2000 وانسحاب قوات العدو الصهيوني منه.

بعدها، رأينا جنبلاط بك شخصية متقلبة متغيرة، وهو المثقف المؤدلج في شئون المنطقة، وفي شأن القضية الفلسطينية التي عرفها وخبرها أكثر من غيرها من بعض قيادات الأحزاب اللبنانية، التي لم يكن يعنيها في الأساس سوى استقلال لبنان بالمعنى الكلي عن كافة قضايا الأمة ومعضلاتها، حتى ولو كانت لبنان ساحة لها على مدى العقود السابقة.

ثم شاهدنا تكون بعض التحالفات، التي نشأت جراء تلك الدعوات المتصاعدة لخروج القوات السورية من لبنان، مترافقة مع عدة نزاعات مسلحة، استهدفت الوجود السوري، وحتى بعض القوى الوطنية اللبنانية، كما قسمت التحالف المسيحي إلى أكثر من فريق، ما أدى إلى انفصال التيار الوطني بزعامة العميد ميشيل عون بقواته والتفاهم مع تيار المقاومة وتحالفاته..

كان حينها وليد يشاور نفسه إلى أي فريق عليه أن ينتمي، وكان قبل ذلك بفترة وجيزة لا تتعدى الأشهر، يقوم بالقاء خطابات وحوارات نارية حول المقاومة وفلسطين، وضرورة التحالف من أجل قهر العدوان "الاسرائيلي"، حتى فوجئنا بوليد يرتمي في أحضان القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع، وسعد الحريري متمثلا في تيار المستقبل.. وآخرين؛ ما شكل مفاجأة لدى الكثير من المراقبين السياسيين العرب والدوليين، بل وحتى شكل صدمة لدى الكثيرين من قادة المقاومة سواء في لبنان أو في فلسطين أو سوريا. حتى شبه وليد بك باللغز المحير..

لماذا، وماذا كان يريد حينها وليد بك..؟بل وتجرأ البعض وتساءل قائلا؛ هل ثمة من لعب في عقل السيد وليد بك من قصر الأليزية مثلا، أم بهرته وعود الذهب الأسود، وجماعة "اتفاق الطائف".

ولقد كشفت الأيام بأن الاخوة السعوديون كانوا وراء ذلك التحريض، والانجراف الذي قاد به وليد بك الحزب التقدمي الاشتراكي إلى الوقوع في فخ "الشللية" الكتائبية وطائفية "البطريرك صفير"، والحقد التاريخي لسمير جعجع على كل ما هو عروبي واسلامي ومقاوم.. وكأن وليد بك لم يتأمل جيدا حينها، ما هذا الفخ الغبي الذي وقع فيه وليد جنبلاط، ولا كيف وقع فيه، وما الذي يستهدفه من ورائه.. بحيث يغير تحالفاته على هذا النحو؟

لقد ثار حينها لغط كبير وعلامات استفهام كثيرة، عرفت اجابات بعضها، وبعضها الآخر ظل مرتبطا بتكهنات وتحليلات سياسية مغايرة، ترافقت إبانها مع "سقوط بغداد" وانهيار معظم معسكرات "المقاومة العربية" لصالح "الأرض مقابل السلام"، ولصالح "المبادرة العربية" الميتة، ولصالح "خيار السلام الاستراتيجي متمثلا في مصر و "رام الله"..

يبدو أن مراهنة وليد بك كانت تكمن فيما انتهى إليه من معلومات، أيام سيء الذكر جورج بوش الابن، بأن الولايات المتحدة تخطط لتغيير الحكم في سورية، وهذه ستكون هي آخر قلاع المقاومة والصمود في المنطقة، وبالتالي – هكذا أبلغ السيد أليوت أبرامز، مع صديقه "السعودي" البك وليد جنبلاط؛ بأن واشنطن عازمة على تغيير الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، بل وحتى وعد أ:يد من بوش بأن الولايات المتحدة سوف تقوم بقلب النظام السوري في موعد أقصاه 2006، "خاصة بعد فلاشات ويافطات الراحلة – العزيزة كوندوليزة، وعلى رأسها يافطة "الشرق الأوسط الكبير""، وبذلك كانت هذه تشكل ربما القضاء على آخر أحلام وليد في انتصار المقاومة، وازدهار المنطقة، وكبح جماح دولة الكيان "الإسرائيلي"، حيث ستكون الغلبة لها بفعل أمريكا، والغرب بالطبع.

وبالتالي كان السيد وليد بك أن يبدأ بممارسة اللعبة البراغماتية المفضلة، وهي الوقوف مع الأقوى ، والمراهنة على الحصان الرابح، وهو "إسرائيل" والولايات المتحدة، بعد سقوط مراكز القوة الثلاث في المنطقة العربية "مصر، والعراق، وســــورررريا…" تحت وهم الإعتبار "الصهيو-أمريكي" بأن سقوطها أصبح مسألة وقت..!

ربما لم يكن ذلك مستغربا من وليد الوقوف مع صف 14 آذار، ولكن الغريب هو طبيعة التصريحات المطلقة ضد سوريا والمقاومة، إلى درجة وصلت حد السباب والشتائم للمقاومة، بل وأحيانا حول بديهيات "القضية المركزية" التي عرفها وفقهها جيدا وليد بك.

كل هذا حدث وأكثر، حتى فاجأنا وليد بك جنبلاط في الأيام الأربعة الماضية بتقديم اعتذارات علنية وواضحة، بل وصارخة إلى سورية عما صدر بحق الرئيس بشار الأسد من تصريحات ضده، والاعتذار لسورية.

إن قراءة أولية لحديث الزعيم الدرزي السيد جنبلاط، لا تدعونا أن نتناول المسألة بهذه الدرجة من البساطة التي ستكون قراءة ساذجة. إن وليد، لن يتحدث من فراغ، ولن يراهن مرة اخرى، حسب اعتقادنا، على الحصان الخاسر هذه المرة، بل إنه يعلم جيدا أن يراهن على الجواد الرابح.

وهذا الرهان الآن لم يعد مرتبط فقط بما يعتقده وليد بك..! بل في اعتقادنا، إلى ما باتت أو توصلت إليه "الطائفة" وعقل الطائفة، بأنه يجب الرهان الآن على المقاومة وحلف المقاومة.. لآن المنطقة تشتعل بغضب عارم، لن يقف هذه المرة عند الحكام والكراسي والثروات والملوك، بل سيتجاوزه إلى الصلف الصهيوني الذي تجاوز كل حد.

"إن اسرائيل استباحت كل شيء".. هذه قالها السيد وليد جنبلاط شخصيا، وهو يعبر عن اعتذاره لسوريا واستعداده لزيارة سوريا إذا قبل الرئيس السوري اعتذاره..، بل وحتى مستعد للمشاركة في الحرب والدفاع عن لبنان والأمة إذا استوجب الأمر ذلك..!

هذا القول فيه الكثير مما ينبغي أن يقال..، حيث شكك زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي بوضوح وعلى نحو فيه الكثير من الأسف على الموقف الغربي، ورثى له، بأنه توفر على العدمية وعدم المصداقية، وترك المجال "لإسرائيل" لتفعل ما تريد، متسائلا بما معناه؛ أين هو السلام، والأرض مقابل السلام، فلا الغرب ولا أمريكا فعلوا شيئا..!

يبدو واضحا أن السيد وليد قد راهن كثيرا على الموقف الأمريكي أن "ينشر السلام في المنطقة، وأن يحقق حل الدولتين، ويكبح جماح إسرائيل، حتى يتمتع لبنان بحريته واستقلاله بعد الخروج السوري.. ولكن شيئا من ذلك لم يحدث، ويبدو أنه لن يحدث. لذلك كان على وليد بك أن يبحث عن خيار آخر، وعن رهان آخر حتى لو أدى ذلك إلى الاعتذار لسوريا أمام الملأ، مدركا على مايبدو أن "إسرائيل" جشعة وتريد كل شيء، ولن تترك شيئا لا للشعب الفلسطيني ولا للبنانيين كائنة طائفتهم مهما كانت، خاصة وفي ظل هذا التوتر الكبير، يبدو أن الطائفة الدرزية البسيطة سيكون حظها قليلا، فما بالك لو توسعت دولة الكيان الصهيوني أكثر، ستكون الطائفة الدرزية بالتأكيد في خطر عارم.

من المؤكد أن وليد بك لا يعبث، ومن المعروف أيضا أنه لا يقدم على أمر من عبث. المسألة في وضوحها المستشرف تقول؛ أنه جرت مشاورات مع عقول الطائفة، وتم التأكيد على أن مصلحة الطائفة في المصالحة مع سوريا، حيث أنه يمكن الرهان على تيار المقاومة، ليس في سوريا فحسب، بل في المنطقة العربية برمتها، على اعتبار أن المنطقة "على كف عفريت.." "وهو يبدو عفريت "سوريالي" غير واضح المعالم" لكن ما يؤكد رجوح كفة الخط المقاوم، هو تراجع أمريكا، خاصة في العراق وأفغانستان، بل وحتى في باكستان، وتراجع الدور المصري تماما على المستوى الرسمي، مقابل تصاعد حالة الرفض على المستوى الشعبي..

ويبدو أن صعود تركيا في دعم هذا "التعنت والتبجح الصهيوني" كان له دور جد مهم في توسيع دائرة الدعم لهذا الجانب المقاوم، أو على الأقل الذي يريد فرملة هذا الصلف، وهذا التطاول الذي وصل حده الأقصى من خلال زيادة المستوطنات داخل القدس الشرقية، وآخرها توسيع هذا الاستيطان ليعززه قرار جديد ببناء 160 ألف وحدة سكنية جديدة، على رغم من إتخاذ لجنة القمة العربية قرارا بالموافقة على مفاوضات "فلسطينية – "إسرائيلية" غير مباشرة" مما خيب آمال القمة وأصحابها، كما خيب آمال الإدارة الأمريكية التي تعرضت لصفعة كبيرة وجهها نيتنياهو للسيد/ بايدن مندوب الإدارة الأمريكية.

وما يدفعنا إلى التأكيد على هذه الحنكة التي توفرت لدى زعيم الحزب التقدمي الإشتراكي، ودعونا نقُلْ – دهاء وحرص جنبلاط في آن، وأهمية إدراكه العميق لما أقدم عليه، رغم أنه في مواقع أخرى، وحتى هذه اللحظة قد أمسك العصا من وسطها، فقال أنه يقف على الحياد بين قوى المعارضة وقوى الموالاة، أو بين قوى 14 آذار، وقوى المقاومة، رغم أنه سيكون مع التصدي والمقاومة لإسرائيل، ولو بالسلاح لو تطلب الأمر..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى