مقالات وآراء

كلام لا علاقة له بالأمور السياسية.. (13) .. بقلم العميد المتقاعد برهان إبراهيم كريم

وهل تتعامل بعض المجتمعات والأسر مع المراهقين بطرق علمية,أم بمزاجية وعشوائية يأبهما العقل والمنطق؟
 
والشباب والبنات في سن المراهقة تخطوا مرحلة التعليم الابتدائي إلى مرحلتي التعليم الإعدادي والثانوي.
وعلماء النفس يعتبرون أن المراهق والمراهقة يستشعران القلق في أمور كثيرة.من أهمها ..

1. مظهره الخارجي. حيث يهتم كثيراً بلباسه وهندامه وقيافته وعطره وحلاقته وتسريحة شعره.
2. وحظه في النجاح الاجتماعي. ولذا فهو قلق على مستقبله ومكانته في المجتمع.
3. ومركزه بين أقرانه ولاسيما من الجنس الآخر. وهو في هذه المرحلة أكثر اهتماماً بالجنس الآخر.
4. وموقف والديه منه. وهو عميق الولاء لوالديه ولا يسمح بنقدهما من
5. والمال الذي بحاجة إليه لتغطية مصروفاته. والمال بات ضروري بالنسبة إليه لتغطية متطلباته.
6. ومدرسته وإنجازاته فيها. وفيها المنافسة مع أقرانه,وعلى جهده ونتائج امتحاناته يتحدد مستقبله.
7. وصحته الجسدية والنفسية. وهما من تحددان قوته ولياقته الجسدية والنفسية.
8. وطموحه إلى التحرر رغم إدراكه لعجزه إلى اتخاذ قرارات مصيرية بالنسبة لأمور كثيرة. 

والمراهق يعتقد أنه سنه باتت تؤهله لأن يحيا حياته الخاصة, فقد يرفض إتباع تعليمات والديه ومطالبهما,رغم إقراره بحاجته الماسة إليهما كي يضمنا حمايته وتوجيهه. وقد يشتكي الذكور في هذه المرحلة أكثر من الإناث إلى أقرانهم من أن والديهما محافظان,أو أنهما يعاملانهم وكأنهم مازالوا أطفالاً صغاراً.ومع ذلك فالمراهق عميق الولاء لوالديه ولا يسمح بنقدهما من أحد سواه.و يمكن تلخيص بعض انفعالات سن المراهقة بالظواهر التالية ..

1. ظاهرة الخوف : فالمراهق قد يبقى يعاني المخاوف التي كان قد نماها في صغره,وقد يستشعر خوفاً هيجانياً قوياً يسمى بالهلع(phobia).وقد يسيطر هذا الهلع على سلوكه ومواقفه, ويستمر أثره خلال سنين رشده.والمصاب بالهلع قد يزعجه كثيراً هلعه ولا سيما إذا كان يؤثر على مقامه في وسطه ومجتمعه,وقد ينتهي نضاله للتخلص من مخاوفه وهلعه إلى شعوره بكابوس فيبدوا عليه الاضطراب ولا سيما فيما يخص موضوع هلعه ومناسباته. وهنا يبرز دور الأسرة وإدارة مدرسته ومعلميه ومحيطه. 

2. ظاهرة الغضب : والمراهق يثور غضبه إذا حال حائل دون تحقيق رغبته,أو الوصول إلى هدفه وغايته,أو القيام بفعالياته.وغالبية المراهقين حساسين لأي تهديد واقعي أو خيالي نظراً لحاجتهم إلى الطمأنينة الانفعالية,الأمر الذي يغضبهم أشد الغضب. وإذا لم يُأخذ بيد المراهق ويُساعد أثناء طفولته على ضبط هيجاناته فإنه قد ينمو ليصبح شخصاً يتفجر غضبه لأتفه سبب. والمراهق يحتفظ بغضبه لمدة أطول مما هي عند الطفل ,ولكن غضبه سرعان ما يتلاشى إذا شعر بأنه أستعاد كرامته أو انتقم لها,أو أن جهده ليس معرضاً للإحباط,وأهدافه وغاياته ومطامحه لا تلقى معارضة. والتعبير عن الغضب عند المراهق يختلف عنه لدى الطفل.وقد ينتقل الغضب إلى حالة انفعالية أخرى كالخوف, أو يتحول من الخجل إلى الرضى دون سبب ظاهر. وقد تُلحظ لديه اهتمام غير أناني وخاصة من أقرانه الذين هم في سنه.وكم هي خسارة فادحة إن كانت مثل هذه الأمور يجهلها أبويه والمعلمين والموجهين في مدرسته. 

3. ظاهرة الميل للانضمام لجماعة ذات جنس واحد : يميل معظم المراهقين إلى الانتظام في جماعات تضم أفراد الجنس الواحد مع حرصهم على اختيار أعضائها بدقة.وأن يتوافر فيها التجانس فيما يخص المستوى العقلي والتربوي بين عناصرها.ويكون المراهقون عادة والراشدون الشباب شديدو الإخلاص إلى باقي أعضاء الجماعة التي ينتمون إليها,وحريصون على اختيار زعيمها.وغرض الجماعة معروفاً لجميع أفرادها.وتتابع الجماعة عادة أهدافها حتى تتحقق.وهذه الجماعات تميل عادة إلى الاستمرارية مدة أطول من عصابات الأطفال.وتغدوا الصداقات التي تعقد في المدارس الإعدادية والثانوية والجامعية ذات قيمة كبيرة . إلا أن انضمام المراهق في للجمعيات السرية التي يؤلفها المراهقون والشباب لها آثار إيجابية أو سلبية.فالتشدد في اختيار الأعضاء بالنظر إلى أحوالهم الاقتصادية أو الاجتماعية أو العرقية أو الدينية قد يشجع على التعصب أو الإسفاف. أما فاعلية الجماعات التي يؤلفها مراهقون كسالى وفاشلين تربوياً واجتماعياً فتكون ذات أثر تخريبي يسيء للنمو الانفعالي لأعضائها,وقد ينغمس أعضائها في سلوك لا اجتماعي وجنوحي,ولاسيما إذا كان زعيم الجماعة من النوع العدواني في علاقاته الاجتماعية وله القدرة على فرض تأثيره على الأعضاء الضعاف أو المستكينين أو غير الناضجين في الجماعة ليدفعهم إلى الشذوذ والانحراف. إلا أن هذه الجماعات بشكل عام تساعد المراهق في حصوله على الطمأنينة من خلال علاقاته مع أقرانه.واستكمال نموه الانفعالي الايجابي المفيد. ولذا من واجب الأبوين والمدرسة الانتباه جيداً لمثل هذه النواحي وإيلائها الأهمية. 

4. ظاهرة عواطفه من الجنس الآخر: رغم استمرار المراهق في المشاركة في فعاليات جنسه إلا أنه يصبح أكثر اهتماماً بأفراد الجنس الآخر.فهو يبتغي رضاهن و يحرص على أن يكون مميز بنظرهم,وإن كان الجاذب الجسدي عامل هام في هذه الحالة إلا أن العامل الاجتماعي على قدر كبير من الأهمية.وكثيراً ما يقع المراهق فريسة لانفعالات مختلفة ومتباينة, لأنه ينجذب إلى الجنس الآخر وينفر منه في الوقت ذاته. والنضج الجنسي عند الإناث يسبق مثيله عند الذكور, لذلك تحرص المراهقات على كسب رضى المراهقون الأكبر سناً منهن,ويملن إلى صحبتهن.ولكنهن في نفس الوقت يظهرن مشاعر الازدراء أو عدم الاهتمام نحو من هن في عمرهن من الذكور.ولذلك تكون علاقة المراهقين بين الجنسين ذوي العمر الواحد متنافرة أو عدائية أو شبه عدائية. وما أن يبلغ نمو النضج الجنسي عند المراهقون الذكور نفس نموه عند الإناث,أو يتفوق عليه بعض الشيء حتى تعود العلاقات بين ذوي العمر الواحد إلى مجراها الطبيعي وصفائها المعقول. وكثيراً ما تكون العلاقات بين الجنسين في هذا العمر قصيرة المدى وسريعة التقلب والتبدل والتغيير والتنقل.وهذا ينطبق أكثر ما يمكن على الأحوال التي يسمح فيها باختلاط الجنسين. وهذه الاختبارات المتقلبة والمتنقلة في هذه السن المبكرة هي في الواقع نوع من تلمس الطريق من المراهق أو المراهقة نحو اختيار شريك الحياة والزواج منه,ولكنه كثيراً ما يكون تلمساً خطراً باهظ الثمن وعميق الأثر, وإن كان من المعتاد أن تكون الخبرة المتأخرة أكثر نضجاً. وتتميز العلاقات بين الجنسين في هذه السن بالميل إلى موضوع الحب وإرضاء الطرف الآخر والخوف من إضاعته, والغيرة عليه, وصب غضبه على المنافس المزاحم. 

5. ظاهرة الولع بالبطل : كثيرٌ من المراهقين والمراهقات يمرون بفترة الولوع ببطل.والبطل عادة يكون شخصاً أكبر سناً من سن جنس المراهق أو المراهقة ومن الجنس ذاته (معلماً أو زعيماً أو رجل دين أو ممثل أو مطرب أو رياضي……الخ),وكثيراً ما تكون عبادة البطل تعويضاً عن فشل المراهق أو المراهقة في علاقاته مع الجنس الآخر,وإن كان هذا ليس حتمياً. والشخص الراشد الذي يعجب به المراهق أو المراهقة يمثل الصفات التي يريدها لنفسه, ويتمنى توفرها فيه.ويميل المراهقون من الذكور إلى التعبير عن إعجابهم براشد ذكر عن طريق التصرف تصرفاً يشبه تصرف الراشد ويحقق مُثُله ومستوياته. في حين يظهرن المراهقات مزيداً من التعلق العاطفي, بهدف استرعاء نظر الراشدة وتقليدها في لباسها وحركاتها وتعبيراتها.وإن كان تعلق المراهقة ببطلتها كبيراً. فقد تعبر عنه شعراً,أو تتصل بها هاتفياً,أو تعترض طريقها ,أو تقوم بأعمال أخرى بهدف استرعاء انتباهها. وفي بعض الحالات القليلة يكون ولع المراهق أو المراهقة براشد أو راشدة من أبناء جنسها دليل على الانحراف الجنسي.وفي استطاعة المعلم النابه أن يميز بين النوعين بسهولة ويعمل على تلافي السوء إن ذر بقرنه. 

أما حين ينضج المراهق أو المراهقة عاطفياً فسوف يكونا قادرين على التفكير في عواطفهما وحل مشاكلهما العاطفية بطريقة واقعية ودقيقة وصحيحة.وإذا لزم الأمر فإنهما قادرين على التضحية بملذاتهما الآنية في سبيل تحقيق غايتهما وأهدافهما المستقبلية.ومثل هذا المراهق أو المراهقة يمتنع عن القطع السريع المتسرع المتأثر بالعاطفة في أموره.فأحكامه يُصدرها بعد أن ينظر فيها بمنظار عاقل في العوامل والأسباب والنتائج فلا تخلف ندماً ولوماً لذاته حتى ولو كانت نتائجها غير مرضية.وتكون مواقف الناضج عاطفياً مجردة من الحسد أو الغيرة أو التعصب ,كما يتصف سلوكه بالثقة بالنفس والثقة بغيره.فالنضوج العاطفي مشروطٌ باستعداده على تحمل المسؤولية اللازمة لقضاء حاجاته وحاجات غيره. ومدى قدرته على مواجهة الأوضاع المثبطة المحيطة به مواجهة عقلية وموضوعية. والنضج العاطفي لا يعني القضاء على مظاهر السلوك الانفعالي ,وإنما هو ضبط التعبير عن العاطفة بالعقل والمثل العليا والمعتقدات والمفاهيم الاجتماعية السائدة.وبلوغ النضج العاطفي متصل أوثق الصلة:بطفولة الفرد وخبرته أثناء فترة مراهقته.وعلاقاته بأبويه وإخوته ومعلميه ورفاقه.ورغبته وقدرته أثناء طفولته على ضبط هيجاناته وأنفجاراته العاطفية.ولذا فمساعدة الأسرة والمدرسة هام وضروري.
وكم ستلحق بالمجتمعات من كوارث ومصائب حين تهمل بعض الأسر والمجتمعات والمدارس دورهم وواجباتهم في التعامل الصحيح مع المراهقين والمراهقات وإعدادهم وتأهيلهم بشكل سليم, وتركهم يعالجون مشاكلهم بطرقهم القاصرة.أو يتعاملون معهم بمزاجية وأساليب عشوائية وديماغوجية لا يقرها علم ومنطق,وتتعارض و منظومة القيم الأخلاقية وأساليب التوجيه والتربية؟ وكم ستكون كارثة فادحة بحق الإنسانية حين تعاني الأجيال في سن المراهقة من ظاهرتي الفقر والفساد وعدم الاطمئنان لأوضاعهم في الحالة الراهنة والمستقبلية؟ وكم سيصاب النمو الإنفعالي والسلوك الهيجاني بعاهات وجروح وإصابات خطرة ومستديمة حين ينام المراهقين والمراهقات ويستيقظون على جور وإرهاب وإجرام إسرائيل وقوى الاستعمار والامبريالية؟ وكم ستصدمهم مواقف الخونة والعملاء حين يرونهم وهم يتآمرون على بلدانهم وقضايا الشعوب المصيرية؟ وكم تمزق أكبادهم سياسة الكيل بأكثر من مكيال في القضايا والصراعات الدولية من قبل بعض المنظمات الدولية والإقليمية؟ 

السبت:2 /1/2010م 

بواسطة
العميد المتقاعد برهان إبراهيم كريم
المصدر
زهرة سورية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى