تحقيقات

في ذكرى وفاة الزعيم هواري بومدين ( نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة )

تمر اليوم ذكرى وفاة زعيم من زعماء الأمة العربية رجل وهب نفسه لخدمة الجزائر و لكل العرب .. صاحب مقولة ( نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة ) ..

شيد دولة ذات سيادة بعد تحريرها من المستعمر الفرنسي وكان أول من تحدث باللغة العربية في الأمم المتحدة مخاطباً دول الاستكبار بشجاعة والجرأة .. أنه الرئيس الجزائري الأسبق و الزعيم العربي هواري بومدين ..
في صبيحة يوم الأربعاء 27 ديسمبر 1978 فجعت الأمة العربية برحيل هواري بومدين ، رجل عرف بمواقف ومبادئ و نبل وشهامة لم يتقاعس عن دعم أي قضية عربية أو تحررية عالمية عادلة ..

من هو هواري بومدين ..؟

محمد بوخروبة هو اسمه الحقيقي من مواليد 23 أوت 1932 بدوّار " بني عدي " على بعد بضعة كيلو ميترات غرب مدينة قالمة الواقعة في الشرق الجزائري , ابن فلاح بسيط من عائلة كبيرة العدد ومتواضعة مادياً ، عندما بلغ سن السادسة دخل مدرسة ألمابير سنة 1938 في مدينة قالمة ( وتحمل المدرسة اليوم اسم مدرسة محمد عبده ) ، كان يدرس في المدرسة الفرنسية وفي نفس الوقت يلازم الكتّاب , ختم القرآن الكريم وأصبح يدرّس أبناء قريته القرآن الكريم واللغة العربية ..

التحق بمدارس قسنطينة الواقعة شرق الجزائر معقل جمعية العلماء المسلمين الجزائريين , ورفض خـدمة العلم الفرنسي ، حيث كانت السلطات الفرنسية تعتبر الجزائريين فرنسيين ولذلك كانت تفرض عليهم الالتحاق بالثكنات الفرنسية لدى بلوغهم السن الثامنة عشرة , فرّ إلى تونس سنة 1949 والتحق في تلك الحقبة بجامع الزيتونة الذي كان يقصده العديد من الطلبة الجزائريين ، ومن تونس انتقل إلى القاهرة سنة 1950 حيث التحق بجامع الأزهر الشريف حيث درس هناك وتفوق في دراسته ..

وعندما تبيّن للسلطات الفرنسية أن المدعو محمد بوخروبة ( هواري بومدين ) فرّ من خدمة العلم قامت بحملة بحث عنه ، وأنهكت والده بالبحث والتفتيش والاستدعاءات وتحت وطأة الضغط اعترف والد بومدين بالأمر وأعترف أن ابنه سافر للدراسة في مصر وحصلت السلطات الفرنسية على عنوان بومدين من أبيه وقامت السلطات الفرنسية بإرسال مذكرة بهذا الخصوص إلى السفارة الفرنسية في القاهرة ، وكان الملك فاروق هو صاحب السلطة آنذاك في مصر , وتقرر طرد بومدين من مصر وإعادته إلى الجزائر ، لكن ثورة الضباط الأحرار أنقذت هواري بومدين وانتصارها جعل بومدين يبقى في مصر , وعند اندلاع الثورة التحريرية المباركة في 1 نوفمبر 1954 التحق هواري بومدين بجيش التحرير الوطني وكان مسؤولاً عسكريّاً في منطقة الغرب الجزائري ، وتولى قيادة وهران من سنة 1957 والى سنة 1960 ثمّ تولى رئاسة الأركان من 1960 والى تاريخ الاستقلال في 5 جويلية 1962 ، وعيّن بعد الاستقلال وزيراً للدفاع ثم نائباً لرئيس مجلس الوزراء سنة 1963 دون أن يتخلى عن منصبه كوزير للدفاع ..

وفي 19 جوان 1965 قام هواري بومدين بانقلاب اعتبره تصحيحاً ثورياً أطاح خلاله بالرئيس أحمد بن بلة بمبررّ الحفاظ على الثورة الجزائرية ..

بومدين على رأس الجمهورية ..

وضع بومدين أساس الجزائر الحديثة بعد تحررها وصاحب نهضتها ، حيث أتبع ثورة التحرير بثورة صناعية وثورة زراعية وثورة ثقافية ، وقد ازدهر القطاع الزراعي في عهد هواري بومدين واسترجع حيويته التي كانت عليها أيام الاستعمار الفرنسي , عندما كانت الجزائر المحتلة تصدّر ثمانين بالمائة من الحبوب إلى كل أوروبا ..

وكانت ثورة بومدين الزراعية خاضعة لإستراتيجية دقيقة بدأت بالحفاظ على الأراضي الزراعية المتوفرة وذلك بوقف التصحر وإقامة حواجز كثيفة من الأشجار الخضراء السد الأخضر بين المناطق الصحراوية والمناطق الصالحة للزراعة وقد أوكلت هذه المهمة إلى الشباب الجزائريين الذين كانوا يقومون بالخدمة الوطنية ..

على صعيد الصناعات الثقيلة قام بإنشاء مئات المصانع الثقيلة والتي كان خبراء من دول المحور الاشتراكي والرأسمالي يساهمون في بنائها ، ومن القطاعات التي حظيت باهتمامه قطاع الطاقة ، ومعروف أن فرنسا كانت تحتكر إنتاج النفط الجزائري وتسويقه , إلى أن قام هواري بومدين بتأميمه الأمر الذي انتهى بتوتير العلاقات الفرنسية – الجزائرية ، وقد أدى تأميم المحروقات إلى توفير سيولة نادرة للجزائر ساهمت في دعم بقية القطاعات الصناعية والزراعية , وفي سنة 1972 كان هواري بومدين يقول أن الجزائر ستخرج بشكل كامل من دائرة التخلف وستصبح يابان العالم العربي ..

وبالتوازي مع سياسة التنمية قام هواري بومدين بوضع ركائز الدولة الجزائرية وذلك من خلال وضع دستور وميثاق للدولة وساهمت القواعد الجماهيرية في إثراء الدستور والميثاق رغم ما يمكن أن يقال عنهما إلا أنهما ساهماً في ترتيب البيت الجزائري ووضع ركائز لقيام الدولة الجزائرية الحديثة ..

نظرته حول العالم ودعمه لفلسطين ..

مواقفه الثابتة إزاء القضايا العربية والإنسانية وإيمانه الشديد والعميق بحق الشعوب في تقرير مصيرها هي التي توجته بالحصول في عام 1976 على ميدالية السلام التي منحتها إياه الأمم المتحدة عرفانا وتقديرا له على جهوده المتواصلة في الدفاع عن مبادئ السلم والعدالة في العالم ولا شيء غير ذلك ..

صاحب المقولة الشهيرة وشعار للجزائر حتى الآن ” نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة ” , في قمة الرباط 1974 أكد على أن ..
" لا وصاية على الفلسطينيين " .. " لا تفاوض ، لا تطبيع ، ولا تعامل مع العدو " , كان من دعاة رفع التحدي ومقاومة الاستعمار والامبريالية ، وبجهود رئيس الدبلوماسية الجزائرية آنذاك و الرئيس الحالي للجزائر عبد العزيز بوتفليقة تمكن الرئيس الشهيد ياسر عرفات من إلقاء خطابه الشهير في الأمم المتحدة عام 1976م ..

ففي حوار أجراه الشاعر الراحل محمود درويش مع الرئيس الشهيد ياسر عرفات في الذكرى الخامسة عشر لانطلاق الثورة الفلسطينية ، تطرق الشهيد أبو عمار إلى أدق التفاصيل لانطلاق الثورة ، حيث أكد في حواره أن التأييد الأول الذي تحصلت عليه الثورة وهي في مهدها من الجزائر ، وأن أول مكتب فتح للثورة كان بالجزائر مكتب لقائد فرنسي من أصل يهودي كان يستعمل قبله لتعذيب الجزائريين , وأن جزائر بومدين لم تبخل يوماً على الثورة في أي طلب في كافة المجالات من دعم سياسياً أو لوجستياً فاتحتاً ذراعيها لاحتضان الثورة الفلسطينية , وكانت علاقة الجزائر بكل الدول وخصوصاً دول المحور الاشتراكي حسنة للغاية عدا العلاقة بفرنسا وكون تأميم البترول يعد من جهة مثالاً لباقي الدول المنتجة يتحدى به العالم الرأسمالي جعل من الجزائر ركن للصمود والمواجهة من الدول الصغيرة كما كانت الثورة الجزائرية درسا للشعوب المستضعفة ..

حرب أكتوبر , وقصته مع السوفيات ..

حرب أكتوبر التي دارت بين كل من مصر وسوريا بمشاركة عدة دول عربية من جهة والكيان الصهيوني من الجانب الآخر , بدأت يوم السبت 6 أكتوبر 1973 الموافق ليوم 10 رمضان 1393 هـ بهجوم مفاجئ من قبل الجيش المصري والسوري على قوات الاحتلال " الإسرائيلية " التي كانت مرابطة في سيناء وهضبة الجولان ..

وقد هدفت مصر وسورية إلى استرداد شبه جزيرة سيناء والجولان التي سبق أن احتلتهما " إسرائيل " , وانتهت الحرب رسمياً بالتوقيع على اتفاقية فك الاشتباك في 31 ماي 1974 حيث وافقت " إسرائيل " على إعادة مدينة القنيطرة لسوريا وضفة قناة السويس الشرقية لمصر مقابل إبعاد القوات المصرية والسورية من خط الهدنة وتأسيس قوة خاصة للأمم المتحدة لمراقبة تحقيق الاتفاقية ..

وفي مذكراته عن الحرب ، كشف الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة في تلك الفترة على قناة الجزيرة القطرية ، أن دور الجزائر في حرب أكتوبر كان أساسياً وقد عاش بومدين ومعه كل الشعب الجزائري تلك الحرب بكل جوارحه ، وشاركت جميع الدول العربية تقريباً في حرب 1973 طبقاً لاتفاقية الدفاع العربي المشترك ، لكنها كانت مشاركة رمزية عدا سوريا والعراق والجزائر , التي كان جنودها يشاركون بالفعل مع المصريين ..

وقال الشاذلي في شهاداته " اتصل بومدين بالسادات مع بداية حرب أكتوبر وقال له إنه يضع كل إمكانيات الجزائر تحت تصرف القيادة المصرية وطلب منه أن يخبره فوراً باحتياجات مصر من الرجال والسلاح فقال السادات للرئيس الجزائري إن الجيش المصري في حاجة إلى المزيد من الدبابات وأن السوفيات يرفضون تزويده بها وهو ما جعل بومدين يطير إلى الاتحاد السوفياتي و يبذل كل ما في وسعه بما في ذلك فتح حساب بنكي بالدولار لإقناع الروس بالتعجيل بإرسال السلاح إلى الجيشين المصري والسوري "..

وفي شهادات على العصر ، قال الرئيس الراحل أنور السادات إن جزءاً كبيراً من الفضل في الانتصار الذي حققته مصر في حرب أكتوبر – بعد الله عز وجل – يعود لرجلين اثنين هما الملك فيصل بن عبد العزيز عاهل السعودية والرئيس الجزائري هواري بومدين ، ( تصريحات للسيدة كاميليا ابنة الرئيس السادات ، في قناة الحياة الفضائية المصرية بمناسبة ذكرى حرب 6 أكتوبر 1973) ..

وشاركت الجزائر في حرب أكتوبر على الجبهة المصرية بالفوج الثامن للمشاة الميكانيكية ، و كان الزعيم هواري بومدين قد طلب من الاتحاد السوفيتي شراء طائرات وأسلحة لإرسالها إلى المصريين عقب وصول معلومات من جاسوس جزائري في أوروبا قبل الحرب مفادها أن " إسرائيل " تنوي الهجوم على مصر وباشر اتصالاته مع السوفيات , لكن السوفيتيين طلبوا مبالغ ضخمة فما كان على الرئيس الجزائري إلى أن أعطاهم شيك فارغ وقال لهم أكتبوا المبلغ الذي تريدونه ، وهكذا تم شراء الطائرات والعتاد اللازم ومن ثم إرساله إلى مصر ، وهذه بعض إحصائيات لما قدمته الجزائر والتي كانت هي ثاني دولة من حيث الدعم للحرب ..

التعداد البشري ..

2115 جندي , 812 ضابط صف , 192 ضابط

العتاد البري ..

96 دبابة , 32 آلية مجنزرة , 12 مدفع ميدان , 16 مدفع مضاد للطيران

الجوي ..

سرب من طائرات ميغ 21 , سربان من طائرات ميغ17 , سرب من طائرات سوخوي7

التحاقه بالرفيق الأعلى ..

أصيب هواري بومدين بمرض استعصى علاجه وقلّ شبيهه ، وفي بداية الأمر ظن الأطباء أنّه مصاب بسرطان المثانة ، غير أن التحاليل الطبية فندّت هذا الادعّاء وذهب طبيب سويدي إلى القول أن هواري بومدين أصيب بمرض " والدن ستروم " وكان هذا الطبيب هو نفسه مكتشف المرض وجاء إلى الجزائر خصيصاً لمعالجة بومدين ، وتأكدّ أنه ليس مصابا بهذا الداء الذي من أعراضه تجلط الدم في المخ ..

وأستمرّ بومدين يهزل ويهزل وتوجه إلى الاتحاد السوفياتي سابقاً لتلقّي العلاج فعجز الأطباء عن مداوته فعاد إلى الجزائر , وقد مات هواري بومدين في صباح الأربعاء 27 ديسمبر 1978 بتمام الساعة الثالثة والثلاثون دقيقة فجراً , وكانت الفاجعة كبيرة على الجزائريين الذين خرجوا في حشود جماهيرية ضخمة لتوديعه ، ودفن بمقبرة العالية بالجزائر العاصمة في جنازة مهيبة أبنه فيها وزير خارجيته آنذاك عبد العزيز بوتفليقة ..

بواسطة
مهدي إيدار
المصدر
زهرة سورية / الجزائر

مقالات ذات صلة

‫23 تعليقات

  1. رجل ليس كبقية الرجال مفخرة لكل جزائري خدم الجزائر من صميم قلبه فصارت تكنى بيابان افريقيا فرحم الله فقيدنا واسكنه جنة الفردوس\\يموت الزعماء فلا يندثر منهم سوى العنصر الترابي\\وفي الاخير نتمنى ان تنجب لنا الجزائر بومدين اخر

  2. هوارى بومدين رجل ورجال قليل لله يرحمك يا بومدين كان رئس للجزائر ومازال رئيسا وشبيههو بوتفليقه شكرا و رحل بومدين رحلة معه الرجال واللهم ارحم البطل هواري بومدين الذي عاش رجل ومات بطل و ذهبت وذهبت معاك قضايا العرب والجزائركان رمز التحدي والشهامة رحمه الله لهم اغفر له وارحمه واحشره في زمرة الصديقين والشهداء….وحسن أولئك رفيقا

زر الذهاب إلى الأعلى