الرئيس السوري

كلمة السيد الرئيس بشار الأسد في مؤتمر القمة العربية في عمان

ألقى السيد الرئيس بشار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية كلمته أمام مؤتمر القمة العربية المنعقد في عمان بتاريخ 27/3/2001 حيث جاء فيها ..

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو 
السيد الأمين العام لجامعة الدول العربية … 

أستهل كلمتي بتوجيه الشكر إلى الأخ الملك عبد الله الثاني ملك المملكة الأردنية الهاشمية وشعب المملكة الشقيق على استضافته هذه القمة العربية وعلى توفير أجواء العمل الصحيحة لأجواء عربية تبدو اليوم أكثر صحة من ذي قبل , ولا يفوتني أن أنقل إليكم تحيات الشعب العربي السوري وتمنياته لمؤتمرنا بأن يحالفه النجاح وأن يحقق النتائج المأمولة منه والتي لا تختلف بأي حال من الأحوال عن آمال وتطلعات الشعوب العربية في الوطن العربي الكبير ..

ومن دواعي السرور أن نشارك في أول انعقاد دوري للقمة العربية منذ سنين عديدة بعد أن قررنا ذلك في القمة غير العادية التي انعقدت في القاهرة العام الماضي , وهذا الانتظام بحد ذاته هو نقلـة نوعية في العمل العربي المشترك ففيه تفعيل لدور جامعة الدول العربية الذي نتطلع لأن يأخذ أبعاده الكاملة وفيه تعزيز للموقف العربي في مواجهة الأخطار والتحديات المختلفة ..

كما أنه يدل على قدرة العرب على الالتزام أن هم أرادوا ذلك والأهم من ذلك أنه يدفع التنسيق العربي العربي في الفواصل بين القمم بهدف الوصول إلى القمة بأفضل الحالات وأكثرها فاعلية وهذا بحد ذاته يوازي انعقاد القمم في الأهمية إن لم يكن أهم ..

وهذا يعني أننا خطونا خطوة إلى الأمام من خطوات الألف ميل وليس المقصود أننا لم نخط قبلها بل المقصود أن الطريق ما زال طويلاً وبالتالي فإن طموحاتنا كعرب لا تقف عند هذا الحد من التفعيل والتفاعل مع بعضنا البعض ومع ظروفنا الخارجية المحيطة بنا بل إن دولاب التطوير الذي بدأ بالدوران لابد من أن نستمر في دفعة كي لا يتوقف وهذا لا يمكن أن يتم إلا من خلال الحوار المسؤول والمصارحة وهذه المصارحة عادة ما تركز على تحديد مواقع الخلل في الماضي أو ما يمكن أن نسميه تقييماً مشتركاً أو موحداً للمراحل السابقة فغالباً ما كانت القمم العربية تصدر بيانات وتتخذ قرارات موحدة لتقييمات ومفاهيم مختلفة أو متناقضة إلى حد كبير وهو ما أدى إلى تعطيل تنفيذ العديد من تلك القرارات وإلى عدم اهتمام الكثير من دول العالم بتلك البيانات لمعرفتهم المسبقة بالوضع والنهج العربي في مقاربة القضايا المطروحة ..

أيها الإخوة … 

ونحن الآن مجتمعون بهذه القمة فإن شعوبنا تتطلع إلينا منتظرة منا نتائج كثيرة لا تقف عند إصدار البيان أو اتخاذ القرارات التي ستصدر في ختام قمتنا .
وإنما تتجاوزها إلى أشياء أكثر أهمية وفي مقدمتها تطوير آليات العمل العربي وليس في مجال واحد فقط بل في كل المجالات وبلا حدود وهذا يعني ويتطلب زيادة الإيجابيات على حساب السلبيات وتعزيز نقاط القوة مقابل تقليص نقاط الضعف التي ما تزال كثيرة وعلى رأسها سوء التقدير وعدم قراءة الأحداث بشكلها الصحيح .
لذلك كثيراً ما نرى أنفسنا كأمة تخاف عندما يجب أن تطمئن وتشعر بالراحة في مواقع الخطر وفي ذروة التهديد وأحياناً نخلط بين الهروب والحكمة والتنازل والشجاعة .
وغالباً ما نتفاعل بقوة مع أمور لا تمسنا بشكل مباشر وأحياناً لا تعنينا بينما لا نشعر بأمور أخرى أكثر تأثيراً علينا وأحياناً أخرى نتبنى قضايا الآخرين على حساب الاهتمام بقضايانا دون أن نعرف أو نسأل أنفسنا لماذا ؟ ..

وطبعاً كل ما قلته هنا يأتي في إطار الكلام النظري العام والقمم العربية لا يفترض بها أن تكون موقعاً للتنظير بل هي منبر للحديث عن الواقع ، وبالتالي لابد من الحديث عن أمثلة واقعية والإشارة إليها فهي بالإضافة إلى كونها أمثلة فإنها تجسد قضايا راهنة مطلوب منا مناقشتها ووضع تقييم وفهم موحد لها ، وبذلك فقط تكون قرارات القمة قابلة للتطبيق والاستمرارية ويكون للبيان الختامي الواقع والتأثير المرجوان لدى الشعب العربي وعند الشعوب الأخرى أيضاً .. ومن العناوين التـي أرى من المفيد أن نفكر بها بهدف تطويرها مجموعة من النقاط ..
أولاً : قضية الانفعالية العربية .. الابتعاد عن الفاعلية والارتجال باتجاه الانفعالية أي الارتكاز ورد الفعل المبالغ به تجاه القضايا المطروحة أو القضايا الطارئة بشكل لا يتناسب مع حجم أو أهمية القضية بالنسبة للأمة العربية وهذا يؤدي لتشتيت الزخم والتفتيت العربيين باتجاهات ثانوية بعيدة عن الاتجاهات الرئيسية على سبيل المثال تفاعلنا ردات أفعالنا تجاه تغير الحكومات الإسرائيلية وخاصة الحكومة الأخيرة.. قبل أن تتبدل هذه الحكومة بدأ العرب بالتفاعل مع هذا الموضوع وتبدل المزاج العربي بشكل حاد وغير مسبوق .
ونتيجة تغير المزاج تغير التقييم ومن ثم تغير التفكير والتفسير وتغير الأداء والقرار ونتيجة كل ذلك تغير مصير القضايا العربية .
كم في ذلك من تصغير للأمة العربية ، للدول العربية ، للمواطنين العرب كم في ذلك من تقزيم للقضايا العربية أن نكون متحركين بحركة إسرائيلية داخلية وغير ثابتين بثبات القضايا والحقوق العربية فإذاً لابد من ثبات المزاج والنهج والأداء وبالتالي القرار طالما أن الحقوق ثابتة لا تتغير وبالتالي لا نغير بل نطور وعندها فقط نستطيع أن نبقي الجهود العربية مركزة باتجاه القضايا الرئيسية وليس باتجاه القضايا الثانوية ..

غرقنا طبعاً في تحليل معنى وصول رؤساء العديد من الحكومات الإسرائيلية وأيضاً غرقنا في تحليل معنى وصول المولود الجديد شارون ونسينا كل شيء وكاد أن يتحول إلى القضية المركزية هذا الإنسان كاد أن يتحول إلى القضية العربية المركزية وابتدأنا بالمقارنات من أفضل الخلف أم السلف السلف أم سلف السلف ؟ من أقرب للعرب ومن أقرب للسلام ومن أقرب للحرب .
وكدنا ننقسم مع واحد ضد الآخر والبعض ارتعدت فرائصه والبعض الآخر شعر بعقدة الذنب بعد ظهور نتائج الانتخابات النهائية .
وكدنا نصبح ناخباً موازياً وناخباً ضد . أيضاً انشغلنا بتحليل الفرق بين اليمين واليسار في إسرائيل ولا يريد البعض أن يعرف أن اليمين واليسار بالنسبة لإسرائيل هو موضوع داخلي أما بالنسبة للعرب فلا يوجد يمين ويسار .
في إسرائيل من يقتل ألف عربي هو يسار ومن يقتل خمسة آلاف عربي هو يمين وعندما يأتي من يقتل عشرة آلاف يصبح اليمين وسط ويكون هناك يمين جديد
بالنسبة لنا كعرب كـل الإسرائيليين هم يمين ، المهم انشغلنا بكل هذه القضايا التي لا تقدم ولا تؤخر ونسينا الموضوع الأساسي أو النقطة الأساسية والجوهر ونسينا أن هناك شارعاً إسرائيلياً هو السبب أما البقية والنقاط الأخرى فهي نتائج .
لنقيم هذا الشارع الإسرائيلي بشكل سريع بعد عملية السلام وليس قبل عملية السلام كي لا يقولوا بأننا ننطلق من منطلق عدواني .
هذا الشارع قتل رابين عندما شك مجرد شك بأن هذا الرجل قد يقدم شيئاً للسلام أنا لا أقول قدم أقول قد مجرد الشك جعلهم يقتلون هذا الإنسان بالرغم من أنه بطل تكسير عظام الفلسطينيين في الانتفاضة الأولى .
هذا الشارع أسقط بيريز عندما شك بأنه أقل تطرفاً من نتنياهو بالرغم من أن بيريز قدم هدية للشارع الإسرائيلي وهي مجزرة قانا .
هذا الشارع أسقط باراك عندما شك بأنه أقل تطرفاً من شارون وعندما شك بأنه من خلال الطروحات الوهمية الكاذبة من الممكن أن يقدم شيئاً لعملية السلام بالرغم من أن باراك كان قد قدم هدية للشارع الإسرائيلي أكثر من أربعمئة شهيد فلسطيني .
والآن هذا الشارع هو نفسه يأتي بشارون ، طبعاً نحن لسنا معنيين بالأسماء فمهما خفضوا من اهتمامهم بقضايانا وبحقوقنا سيأتي يوم ويرتفعون لمثل هذا المستوى ومهما رفعوا من مطالبهم سيأتي يوم ويخفضون المطالب إلى المستوى الذي نريد .
لكن يأتينا البعض ليقول لنا من الأجانب أو من العرب إن شارون صحيح قد يكون ضد السلام لكن الشارع الإسرائيلي مختلف ، لماذا لا نسأل هذا السؤال البسيط لهؤلاء ؟ .
شارون يوصف في العالم بشكل عام وحتى في داخل إسرائيل بأنه رجل مجازر ، رجل قتل ، رجل يكره العرب ، وهذا صحيح هو يكره كل شيء له علاقة بالعرب هذا الشخص كيف أتى إلى رئاسة الحكومة ؟. هو رشح نفسه بإرادته لكنه لم يصل بإرادته بل وصل بإرادة الشارع الإسرائيلي فكيف يريدون أن نقنع أنفسنا أولاً وأن نقنع الشارع العربي ثانياً بأن هذا الشارع الذي انتخب رجلاً بمواصفات شارون هو شارع يريد السلام .. هو شارع يريد إعادة الحقوق للعرب ، هو شارع غير معاد للعرب والمسلمين ؟. فإذاً علينا أن نركز على الشارع قبل أن نركز على الأشخاص والحكومات .
ويأتي البعض ليقول لنا بأن شارون يجب أن يعطى فرصة فعلى الأقل يجب أن نعرف ماذا يقصدون بكلمة فرصة ولماذا الفرصة ؟. فإذا كان هو نتيجة للشارع وليس سبباً فلماذا لا نعطي فرصة للشارع أولاً ؟ .
إذا كان هو نتيجة فيعني أنه مربوط بشارع متطرف لا يريد السلام ، فما هو الهدف من هذه الفرصة ؟ هل سيتحول شارون فجأة إلى حمامة سلام ؟ هل سيتحول الشارع الإسرائيلي فجأة إلى شارع محب للعرب وشارع غير عنصري ؟ .
ثانياً : ما المقصود بكلمة فرصة ؟ . الفرصة تعني إعطاء زمن ، ما هو الهدف من إعطاء هذا الزمن ؟ .. هل المقصود بالزمن لقتل المزيد من العرب أم زمن لتقديم المزيد من التنازلات ؟ .. لنضع تعريفاً كي ننطلق باتجاه واضح لكي نعرف إلى أين نحن ذاهبون .
فإذاً لمعرفة حقيقة السلام المقبل لابد من معرفة حقيقة الشارع الإسرائيلي الـذي بدأ عملية السلام في مدريد عام 1991 بشامير واليوم ينهيها بشارون بدأ بشامير وينهيها بشارون وطبعاً الأسماء التي أتت في الوسط بينهما الكل متشابه لا يوجد أي فرق بين الأول والأخير ومن في الوسط .
من منهم قدم شيئاً للسلام ؟‍‍‍‍‍‍‌‍‍ ‌‍‍‍‍‍‍‍‍‍.. أخذوا كل شيء من السلام ولم يعطوا شيئاً ، من منهم قدم للعرب .؟. قدموا الشهداء وأخذوا الأرواح .
فإذاً علينا أن نحدد حقيقة الشارع وألا ننغمس بتحليل الأشخاص قد يعطي هذا مؤشر لكنه ليس الجوهر نقول رئيس حكومة عنصري نقول حكومة عنصرية نقول أمن وجيش عنصريان وعندما نصل إلى المجتمع الإسرائيلي نصمت بأي منطق ؟ .
كل الأشياء التي سبقتها هي نتيجة للشارع الإسرائيلي فإذاً هو مجتمع عنصري عنصري أكثر من النازية والكل في الجلسات المغلقة يتكلم بهذا الكلام وكل مواطن عربي يقول هذا الكلام ونحن نمثل الشعوب العربية ومن الطبيعي أن نتكلم بما يعبر عن وجدان المواطن العربي ، وعلينا ألا ننتظر التعاريف من الغرب والشرق والشمال والجنوب نحن علينا أن نحدد التعاريف ونسوقها ولنكن جريئين ونحدد المفاهيم بشكل واضح فإن لم نقم نحن بالتحرك فالعالم لن يتحرك معنا . ولنكن حذرين من تحول هذه القمة إلى حائط مبكى نجلس فيه نتشاكى ونتباكى أو نحولها إلى جمعية خيرية نلتقي فيها لكي نطلب من العالم مد يد العون لنا ، علينا أن نكون جريئين ونتخذ القرارات الجريئة ونبتعد عن الحسابات الكثيرة التي نحسبها وأحياناً لا تفيدنا نحسب بدءاً من أقصى الغرب في أمريكيا مروراً بأوربا حتى الشرق وأحياناً نحسب حساباً لصحيفة قد تهاجمنا في مكان ما من العالم وعندما يأتي الأمر إلى الشارع العربي نقول أنه شارع عاطفي ، كل ما نراه اليوم من مسيرات ومظاهرات ابتدأت بالعاطفة لكنها اليوم استمرت بالفعل وبالوجدان العربي ومن غير المعقول أن نسعى جاهدين لتطبيق كل النصائح التي تأتينا من الدول الأخرى غير العربية وعندما يطلب منا الشارع العربي أن نطبق شيئاً نقول هذا غير قابل للتطبيق .
بالعكس . نحن ثلاثمائة مليون عربي وعندما نتخذ القرار الجريء والواضح فالثلاثمائة مليون سيدعموننا مادياً ومعنوياً ، وعدا ذلك لن يقف معنا لا عربي ولا غير عربي وسننتقل من ضعف إلى ضعف . فإذاً يجب أن نكون واعين لعدم الوقوع في فخ ربط مواقفنا وسياساتنا تجاه قضايانا بالأشخاص في إسرائيل بل يجب ربط هذه المواقف والسياسات بالشارع الإسرائيلي الذي يظهر يوماً بعد يوم أنه ضد السلام . نربط هذه المواقف بالشارع الإسرائيلي وهذا يعني أن كل إسرائيلي مسؤول عن كل شبر من الأرض العربية . كل إسرائيلي مسؤول عن روح كل مواطن عربي ، أو عن روح كل مواطن عربي يمكن أن تزهق أو تزهق الآن ..

بالتالي فإن الربط , ربط هذه المواقف بالأشخاص هو ربط مؤقت وهذا يعني أنه كلما أتى شخص نختلف على تقييمه وبالتالي علينا أن نلتقي أو نفترق حسب تبدل الحكومات والأشخاص في إسرائيل وهذا لا يجوز .
وعندما يأتينا البعض من غير العرب ليقول لنا .. ها قد ذهب فلان من رؤساء الحكومات . إذن بدّلوا مواقفكم ، نقول لهم .. نعم ذهب فلان . لكن الشارع الإسرائيلي بقي هو هو بعقليته وبعنصريته وبتطرفه .
أما ما يطرحه البعض من أن شارون هو غير الشارع الإسرائيلي فهذه المقولة لم تعد مقنعة لأحد . طبعاً يبرر دائماً ذلك بالخوف والقلق لدى الإسرائيليين . ودائماً نسمع هذا التبرير . ومع كل أسف أنه يسوق بشكل كبير عند الأجانب وبشكل قليل عند بعض العرب . ونتيجة هذا الخوف يحق لإسرائيل أن تخرق القوانين الدولية ويحق لها أن تقتل العرب . ويحق لها أن تحتل أراضي ويحق لها أن تعيد الأراضي مجزأة وليست كاملة ..

فمتى يخاف الجار من جاره ؟ .. الجار الأول يخاف من الجار الثاني عندما يكون الجار الثاني له سوابق بالاعتداء .. وبالتالي يتوقع الجار الأول أن يكون هناك عدوان من الجار الثاني عليه هذه حالة ، والحالة الثانية عندما يعتدي الجار الأول على الجار الثاني فيتوقع منه رداً في يوم من الأيام . وفي حالتنا نحن لم نكن في يوم من الأيام معتدين على إسرائيل .
نحن دائماً معتدى علينا فإذا كانوا يملكون أقوى جيش في المنطقة يتفوق على العرب مجتمعين . ومع ذلك يخافون . فمم الخوف ؟ .. هناك ثلاثة أشياء يخاف منها الإسرائيليون :
النقطة الأولى .. هم يخافون من الماضي القمعي القريب الذي ابتدأ قبل الإعلان عن دولة فلسطين عام 1948 بعدة سنوات .
النقطة الثانية .. التي يخاف منها الإسرائيليون هي الماضي بمعناه العام أي التاريخ . هم لا يمتلكون التاريخ . نحن من يمتلك التاريخ وهم يعرفون ذلك تماماً . هم لم يوجدوا في هذه المنطقة منذ آلف السنين بكل تأكيد ..

النقطة الثالثة .. هي الأرض . كل إسرائيلي يعرف أنه لا يمتلك هذه الأرض هذه الأرض ملك العرب وبالتالي إسرائيل دائماً غير واثقة من نفسها . وإذا كانت هذه المخاوف تبرر لإسرائيل كل ذلك فنتمنى أن نسأل المجتمع الدولي كم يحق للعرب بما أنهم هم المعتدى عليهم وهم الذين يجب أن يكونوا خائفين أن يخافوا . انطلاقاً من ذلك يطرحون مقولة أمن إسرائيل وأمن الإسرائيلي وكأنه لا يوجد أمن للعرب وأمن للمواطن العربي . لا بد من أن نطرح بالتوازي مع مبدأ استعادة الأرض كاملة مبدأ أمن المواطن العربي . وبكل تأكيد يجب أن يكون له الأولوية لأن الإنسان المعتدى عليه هو الذي يعطى الأولية في الأمن وليس العكس ونحن المعتدى علينا ويجب أن نضمن أن إسرائيل لن تقوم بالاعتداء على سورية أو لبنان أو الأردن أو فلسطين أو مصر في يوم من الأيام ولن تقوم بقصف منشأة في العراق . لن تقوم باغتيال مسؤول في تونس .. لن تقوم باغتيال مواطن عربي في مالطا وفي أي مكان من العالم . وبالتالي لا سلام من دون الأرض الكاملة ولا سلام من دون أمن المواطن العربي . وعندما نقول الأرض مقابل السلام فالأرض تشمل الأمن . والسلام يشمل الأمن فإذاً لم يكن هناك أمن لا يمكن لهذا السلام أن يتم ..

أما ما يجب ألا نخشاه وأن نطمئن له فهو ما يحدث الآن في إسرائيل من أحداث ومآزق سياسية وما نسمعه من طروحات شاذة وتصريحات عدوانية وهذا يدل على بداية انهيار سياسي في إسرائيل فكل دول العالم تمر بأزمات مختلفة وتكون لديها الحلول لهذه الأزمات ..

وإذا كان هناك بلد لديه مائة حل لمجموعة من الأزمات فتسعة وتسعون حلاً تكون حلولاً سياسية وقد يكون هناك حل أخير عسكري . وغالباً ما لا يستخدم أما بالنسبة لإسرائيل فإذا كان لديها ألف حل فهي حلول عسكرية ومع ذلك فالحل العسكري ينتقل من فشل إلى فشل في إسرائيل .
طبعاً البعض يطرح أحياناً أن ننقذ إسرائيل من مآزقها أو من مآزقها السياسية الداخلية . أعتقد أنه عندما نفعل ذلك ستتحول إلى مآزق عربية . وما يجب أن نتفاءل به هو أن الانتفاضة مازالت مستمرة وبزخم وتدخل شهرها السادس وهي أكثر ثباتاً . والمد القومي في حالة نهوض بالتوازي مع الانتفاضة وكنتيجة مباشرة لها وبالتالي هناك لدينا قاعدة قوية لكي ننطلق منها باتجاه المستقبل . إلى أين يمكن أن نصل من كل ذلك ؟ .
بعد عشر سنوات من عملية السلام الفاشلة بامتياز وأؤكد على كلمة بامتياز . لأنه من الصعب أن نجد شيئاً أفشل من هذا العمل السياسي خلال عشر سنوات .
بعد عشر سنوات من الضغوط القاسية المختلفة على سورية لكي تقبل بهذا السلام الناقص . بعد عشرة أعوام من رفض سورية لأي سلام غير عادل وشامل ويعيد الحقوق لأصحابها الشرعيين . وبعد عشر سنوات من عدم التنسيق مع المسار الفلسطيني والتنسيق المستمر مع المسار اللبناني ماذا كانت النتيجة ؟ .. كانت النتيجة المزيد من نقاط القوة والأوراق تضاف إلى رصيد سورية . ماذا ستفعل سورية بهذه الأوراق والنقاط ؟ .. بكل تأكيد ستستخدمها لصالـح القضية الوطنية أي قضية الجولان لكن قبل كل ذلك ستستخدمها لصالح القضية القومية . القضية الفلسطينية .
نقول لإخواننا الفلسطينيين داخل هذه القاعة وخارجها وفي أي مكان من العالم . إن هذه هي أوراقنا في خدمة القضية الفلسطينية ..

بالرغم من عدم وجود تنسيق بيننا لمدة عشر سنوات فإن قضية فلسطين بقيت هي القضية المركزية بالنسبة لسورية وبالنسبة لكل العرب . وإخواننا في الجولان يسمعون ويشاهدون الآن وهم لا يقبلون أن يكون حل القضية الوطنية في سورية على حساب قضية إخوانهم الفلسطينيين . نقول عفا الله عما مضى . فنحن لا نعيش على الماضي وإنما نتعلم منه الدروس . والدروس المفيدة . نحن نعيش الحاضر وننطلق من الحاضر باتجاه المستقبل . نمدّ يدنا لإخواننا الفلسطينيين لنقول لهم .. نحن نقف معكم الآن في خدمة القضية الفلسطينية مع العلم أن النهج والعقل والمنطق السوري لا يسير إلا باتجاه هدف واحد واضح ومحدد وهو عودة الحقوق العربية كاملة وغير مجتزأة ولا مجزأة . ولا يسير باتجاه التنازل . فإذاً نحن نقف معكم لعودة القدس الشرقية كاملة. نقف معكم لانسحاب إسرائيل على الاتجاه الفلسطيني حتى خط الرابع من حزيران 1967 . نقف معكم لعودة اللاجئين بأكملهم من دون استثناء . نقف معكم لقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس . نقف معكم لدعم الانتفاضة الباسلة ولعودة أي حق عربي لا بد له أن يعود . وبكل الأحوال نحن ما نملكه من أوراق ورصيد استخدمناه في الماضي . بالرغم من عدم وجود هذا التنسيق . لصالح القضية الفلسطينية ولحماية ظهر الشعب الفلسـطيني عندما حاول الإسرائيليون الالتفاف عليه من الخلف من خلال لعبة المسارات . وأنا قلت لأحد المبعوثين منذ عدة أشهر عندما أتى بهدف إعادة إطلاق المسار السوري الإسرائيلي قلت له إذاً كان الإسرائيليون يعتقدون بأنهم قادرون أن يضغطوا على سورية من خلال المسار الفلسطيني فهم واهمون أما إذا كانوا يعتقدون بأنهم يستطيعون أو يريدون أن يضغطوا على المسار الفلسطيني من خلال المسار السوري فسـورية لا يمكن أن تكون عصاً بيد إسرائيل ضد الفلسطينيين في أي حال من الأحوال ..

أيها الإخوة .. 

إن ما نعيشه اليوم من حالة نهوض قومي في الشارع العربي هو نتيجة لعوامل مختلفة وعلى رأس هذه العوامل .. الانتفاضة الفلسطينية .. التي دخلت شهرها السادس والتي لولاها لكان من الصعب بلوغ ذلك المدّ خلال تلك الفترة الزمنية القصيرة .
ومن واجبنا أن نحافظ على بريقها لكي لا تصبح شأناً يومياً عادياً وروتينياً لا يؤثر فينا .. فهي ليست مجرد حالة معنوية نشعر بها بل هي حالة معنوية مادية ستترك أثرها علينا من خلال كونها مركز جذب واستقطاب للعاطفة والعقل العربيين وما يعنيه ذلك من توحيد للمشاعر والأفعال على المستوى العربي وبالتالي من الضروري جداً دعم هذه الانتفاضة بالوسائل والطرق المختلفة .
وأهمها .. 

ـ الدعم المادي المباشر .. وبشكل إسعافي للحد من التأثيرات السلبية للحصار المفروض على المدن والقرى الفلسطينية لتركيعها .
ـ القيام بحملة دولية لتثبيت شرعية الانتفاضة التي هي شكل من أشكال المقاومة .. والمقاومة حق مشروع للشعوب المحتلة أراضيها والمسلوبة حقوقها .. وبهذه الطريقة نتمكن من إحباط المحاولات الإسرائيلية الهادفة إلى إعطائها صفة الإرهاب .
ـ التنسيق العربي .. العربي بشكل عام .. وهذا سيكون له تأثير معنوي إيجابي كبير على أهلنا في فلسطين الذين يرون في التضامن العربي احتياطياً إستراتيجياً لقضيتهم وبالتالي فإن تضحياتهم لن تكون بدون ثمن .
وانطلاقاً من هذه النقطة .. أي التضامن العربي فإننا لا نستطيع تجاوز موضوع العلاقة العراقية .. الكويتية التي لم تستطع بعد تجاوز أزمة الماضي ومازالت تستنزف الأمة ككل وتؤثر على استقرارها .
وكلنا نشعر بوطأة معاناة الشعب العراقي الشقيق بسبب الحصار الجائر ونرى الأخطار المحدقة بوحدته الوطنية وبدوره القومي وبنفس المقدار نشعر بقلق الأشقاء الكويتيين مما حصل في الماضي ونقدر مشاعرهم وهناك صيغ كثيرة لحل أية مشكلة والمهم هو توفر النية الصادقة لتجاوز الماضي .
ولقد أثبتت العقود القليلة الماضية أن الخلافات بين الدول العربية .. مهما اشتدت .. وتعقدت ستحل .. عاجلاً أم آجلاً .. فلماذا لا نحلها عاجلاً بدل أن نحلها آجلاً ؟ .. فكل يوم قبل الحل فيه خسارة وكل يوم بعد الحل فيه ربح .. وأول من يربح أو يخسر هما الكويت والعراق والثاني بعدهما هو بقية الدول العربية ونحن على استعداد للقيام بكل ما من شأنه حل هذه المسألة .
ومهمـا تكن الظروف والمعطيات فإن رفع الحصار عن العراق لم يعد يحتمل أي تأخير فهذا الموضوع تجاوز الإطار الأمني والسياسي ليصبح قضية إنسانية تتنافى نتائجه مبادئنا وأخلاقياتنا العربية فلنبادر كعرب لرفع المعاناة عن العراق آخذين بالاعتبار المصالح القومية وقلق وهواجس الكويت المشروعة وليكن هناك موقف عربي حازم موحد ودائم من أي قصف يتعرض له العراق داخل أو خارج ما يسمى مناطق الحظر منطلقين في موقعنا هذا من حرصنا على وحدة وسـلامة العراق والكويت ..

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو .. 

مرة أخرى أؤكد على رغبتنا الصادقة في السلام لنا كعرب وللعالم ككل .
وإننا إذ نشدد على السلام العادل والشامل المستند إلى مرجعية مدريد والذي لا يتحقق إلا باستكمال الانسحاب من الأراضي اللبنانية بالإضافة إلى الانسحاب الكامل من الأراضي السورية والفلسطينية حتى خط الرابع من حزيران 1967 وعودة القدس الشرقية كاملة مع عودة كل اللاجئين الفلسطينيين وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة نقول : إن هذه البنود التي نشدد عليها يرفضها الإسرائيليون بحجة أنها قرارات لمجلس الأمن وبالتالي فهي تمثل الشرعية الدولية التي وافق عليها العالم أجمع وأقرها. وهذا يعني أن إسرائيل لا تريد أية ضوابط يقرها المجتمع الدولي من أجل تحقيق السلام مثبتة كل يوم عدم وجود رغبة لديها في الوصول إلى سلام حقيقي وتصريحات مسؤوليها ضد لبنان وسورية ومصر وفلسطين وغيرها هي دليل لا يحتاج إلى برهان وهي أقل شأناً من أن يرد عليها وهم يعرفون تماماً كيف سيكون الوضع إن أخطؤوا التقدير .. خاصة وأنهم لم ينسوا هزيمتهم في لبنان على يد المقاومة اللبنانية منذ أقل من عام وهنا لابد من التأكيد على ما تم الاتفاق عليه في القمة العربية الأخيرة في القاهرة حول ضرورة متابعة إنشاء محكمة لمجرمي الحرب لمحاكمة الإسرائيليين الذين ارتكبوا مجازر ليس فقط شهداء انتفاضة الأقصى بل أيضاً لمحاكمة كل إسرائيلي له علاقة مباشرة بقتل عربي واحد في أي مكان من العالم . 

وقد يعتقد البعض أن هذا مجرد حلم لكنه قابل للتحقيق .. ولو في زمان متأخر المهم أن نقرر ونصمم وبكل تأكيد سنحقق ما نريد كما أنه من الضروري إعادة الاعتبار لقرار الأمم المتحدة الذي اعتبر الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية فبالطبع لا ننسى أهمية تطبيق أحكام المقاطعة العربية لإسرائيل بإيقاف كل أشكال التعاون والتعامل معها من قبل الدول العربية لأي سبب وبأي ظرف حتى تخضع لشروط السلام كلها وتقوم بتطبيقها وبالمقابل علينا التسريع بعملية تفعيل العلاقات العربية .. العربية في مجالات مختلفة وخاصة الاقتصادية منها وذلك بالإسراع في تطبيق السوق العربية المشتركة وبالإضافة إلى ذلك لابد من تفعيل وتطوير ميثاق الجامعة العربية بعد نصف قرن من قيامها وتبدل الظروف بشكل واسع وعميق . 

وأخيراً أدعو الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة للاستفادة من أخطاء ودروس الماضي بشكل عام ومعرفة أنه لا يمكن تجاوز الشارع العربي في القضايا التي تمس حقوقهم وكرامتهم .
كما نتمنى على روسيا والاتحاد الأوربي وبقية الدول الصديقة في العالم أن يكون لها دور فاعل وإيجابي في منطقتنا .
وأختم كلمتي بأننا كمسؤولين .. حالة مؤقتة .. أما الاستمرار فهو للشعوب .. وشعبنا العربي شعب عريق لا يستكين مهما طال الزمن أو قصر .. لذلك علينا أن نرتقي إلى مستوى طموحات هذا الشعب .. وأن نتجاوز الخلافات لأن ما يوحدّنا أكثر مما يفرّقنا والكل ينظر إلينا كعرب أي أننا جميعاً في مركب .. شئنا أم أبينا .. فالأحرى بنا أن نحسن قيادة وتوجيه هذا المركب الذي يخدم مصالحنا ويضع لشعبنا قاعدة متينة من التعاون والمشاركة والشعور بالمصير المشترك 

والسلام عليكم

المصدر
زهرة سورية

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى