مقالات وآراء

الله يكرمك .. بقلم نزار أبو حلب

الله يكرمك عبارة أصبحت متداولة و شعبية بين جميع الناس و هذه العبارة كانت في القديم تدل على الدعاء و التودد للأشخاص و أصبحت في يومنا هذا مدلولها مادي بحت لها معنى و احد
((عطيني رزقتي)) أصبحت هذه الكلمة إذا سمعها أحد المواطنين تصيبه التعاسة لأنه إذا دخل أحد دوائر الدولة وسمع هذه الكلمة يعرف أنه يجب أن يمد يده على جيبه و يدفع الإكرامية و نفس الأمر أصبح ينطبق في كل مكان تجلس فيه أو تدخل إليه فمثلا سأحكي لكم حادثة حصلت معي . منذ أيام قليلة عندما زرت أختي في المشفى بعدما رزقها الله بمولود جديد منذ دخولي المشفى استقبلتني ملائكة البخشيش عفوا الرحمة بعبارات التودد و الخنوع ((تعيش و تربى بدلالكون)) ((حلوة مثل خالها)) و عبارات آخري معسولة تربك الشخص و تربطه و لا يعرف ماذا يفعل و تهمس إحداهن بأذني ((شو وين إكراميتنا أكرمنا الله يكرمك)) . نفس الأمر ينطبق على شوفير التاكسي فمنذ أن تضع قدمك في سيارته يبدأ حديثا معك أصبحنا نعرفه جميعا (ما عم توفي) (البنزين غالي) (السيارة عم تصرف) و شي من هذا القبيل و يحكي لك قصة حياته المعذبة التعيسة منذ ولادته و عندما تصل إلى المكان الذي تقصده يتحول إلى القط المتودد و لكنه مستعد للنهش فتعطيه الخمسين بينام عالعشرين و وبيقلك (الله يكرمك) و نفس الأمر ينطبق على الفنادق و المطاعم فمنذ لحظة وصولك إلى المطعم أو الفندق ترى أمامك كوكبة من عمال المطعم يلتفون حولك و كأن لسان حالهم يقول ( أجت الرزقة) و هذه الاستقبال الحافل له مدلول واحد الإكرامية و يبدؤون كلامهم المعسول الذي يوصلوك إلى حالة الخجل التي تدفعك إلى إن تمد يدك على جيبك و تدفع المعلوم و يتفرقون من حولك كأنهم ذئاب نهشوا الضحية و لم يعد يهمهم أي شي آخر أما الفنادق فهنا الصدمة و سأحكي لكم قصة واقعية جرت معي كنت أنا و صديقي جالسين نتبادل أطراف الحديث و صديقي هذا يعمل بأحد الفنادق فجأة رن جواله فرد و بدأ (( تحياتي يامعلم الحمد الله على السلامة) لاحظت لهفة فيه غير طبيعية و بدا يقول له (( يا معلم قبل ما توصل الفندق دقلي تليفون لأني بإجازة بس لعيونك بكون عندك بأي وقت) المهم انهي الهاتف فمن باب الفضول سألته من المتصل فأجاب (واحد من الزبائن المدهنيين) فسألته مرة آخري و ماذا يريد فقال (بدو ياني بس يوصل عالفندق و هلاء رايح) قلت له و لكنك في إجازة فأجاب ( بأنه لا ينزل بالفندق إلا كون موجود لأني بدللوا و بعطيه شغلات زيادة عن باقي الغرف و الزلمة حرام ما بيقصر) (يكرمني) دعنا نقف عند هذه النقطة و نرى أن المتضرر الأول و الأخير هو المالك أو صاحب العمل لأنه هو من يخسر مقابل أن يستفيد أحد عماله بإكرامية لا علاقة لها بالعمل من هنا نرى مدى انتشار الجشع و البخس و الذل و قلة الكرامة بين الناس و نعود مرة آخري إلى المقدمة دوائر الدولة أكبر مراكز العمل انتشارا لثقافة الإكرامية فمثلا إذا أردت إن تقضي حاجة لك في إحدى دوائر الدولة يجب عليك أن تضع في جيبك حبوب الضغط و وجع الرأس لأنك ستصاب بها خلال خمس دقائق فمنذ دخولك إلى الدائرة يبدأ التخبط بك من مكتب إلى آخر و من طابق إلى آخر و الشاطر يرمي بك للآخر هكذا حتى تصل إلى مرحلة اليأس فيرسل لك أحد الموظفين سمسار يقول له (حاجتوا استوى جيبوا لعندي بقا) هنا يظهر لك السمسار بمظهر الشخص المساعد المتألم على حالتك ( شبك خيو رايح جايي و الله زعلت عليك فرجيني معاملتك بلكي بقدرحللك ياه) فينظر للمعاملة و يقول لك (أنا بمشيلك ياها بس بدك تكرمنا) ف طبعا أنت توافق لكي تتخلص من أوجاع الرأس التي أصابتك فيأخذك للموظف لتدفع له فتسمع الكلمات المعهودة (الراتب ما عم يكفي) ( و الله برقبتنا عيال) و شي من هذا القبيل وصل طمعهم إلى أن يدخلوا الله حاشا له في إكراميته و بخس أنفسهم . أيعقل أننا وصلنا إلى هذه الدرجة من الجشع و الانحطاط و الذل؟ أيعقل أن يتحول مجتمع كامل إلى مجتمع مادي جشع لا يبحث إلا عن الإكرامية؟ هل من المعقول أن تهدر من كرامتك لأجل الحصول على مكسب دنيوي (سيارة منزل جميل رفاهية كاملة) و الجميع يسأل أين العيب في كرم الله!!!!! هذه فلسفة و ثقافة معظم المتعودين على كرم الله . متى ننتهي من هذه الأضحوكة و هذا الفساد الذي حل علينا بجميع أطيافه و ألوانه؟ متى نتخلص من هذا المرض العنكبوتي و ننهض و نرتقي و يرضى كل واحد منا بنصيبه أم إنك تخضع لسرقة منظمة و أنت راضٍ عن سارقك بعد أن تقبل يده مرغما و تدعو عليها بالكسر. في النهاية مجتمعنا يعيش ثقافة الإكرامية بكل أبوابها أفيدونا ما هو الحل…

بواسطة
نزار أبو حلب / محرر قسم مقالات وآراء
المصدر
زهرة سورية

مقالات ذات صلة

‫8 تعليقات

  1. مشكور نزار أبو حلب على هذا الموضوع الجميل و الذي يلمس واقع حياتنا اليومية من كل جوانبها لم استطع إضافة أي شيء أو أي نقد على هذا الموضوع لأنو كامل و الكمال لله نتمنى على المعنيين الدخول و قراءة هذا الموضوع علهم يستفيدون و يفيدون

  2. سيدي نزار ابو حلب
    حياتنا اصبحت عقدة بحبل الزمن ..يتولد عنها الف عقدة بكل ظرف و بكل حدث و حادث..و المواطن العربي يحتاج لجدار يسند اليه..او سن يحل عقده..و لكن لم يبحث ابدا عن منشار يقطعها و يتخلص من عقبتها بالملمس..ولاني عربية اقول لك سدي: الله يكرمك..مزيدا من قلمك الحق..جل ودي

  3. العقدة المستعصية في حبل يومياتنا هي عقدة الوصول الى اي مكسب دنوي عندما تسنح له الظروف او حين يصنع الظرف ولن يفلت فرصة الأنقضاض على الضحية حينما تسنح له الظروف ويحقق المكسب باي طريقة وباقل مجهود قليلآ من التفكير والعوبة باللسان كان له ما اراد وهذا حالنا وواقعنا الذي نعيشه شكرآ سوري قومي للعضم
    شكرآ يا ملهم الف شكر ل اليان اسكندر

  4. عفوا انا اخطأت في كتابة عنوان التعليق فللأسف لم تبقي هذه العادات الشنيعة اي مبدأ من مبادئ الحياة , ولكن عزيزي نزار ابو حلب قال تعالى (لايغير الله ماابقوم حتى يغيروا مابانفسهم9 صدق الله العظيم , كثيرا ماتناقش هذه المواضيع وكثيرا نسمعها اصبحت روتين وعادة يومية , لكن دعنا ننظر للامر من منظور آخر فكما يقول المثل لايوجد دخان بدون نار والسؤال هنا لكم اعزائي ما هي النار التي اشعلت هذه التشوهات الفظيعة بمبادئ واخلاق افراد مجتمعنا , ما هي النار .
    ملاحظة على الهامش : الغريب في الموضوع اني لم ارى اي شخص في هذا المجتمع الملوث الا ويردد بعد ان يفتح مثل هذه المواضيع وتذكر أمامه 0 الرشوة – الاكرامية السرقة ) فيقول الله لايدخل على جيبي ولا قرش حرام !!!!!!!!!! ههههههههه والله شي بيضحك

  5. ألأخ عمراود الأجابة واتمنى ان نكون قداوصلنا فكرة لأي انسان يغار على بلده ويحب وطنهنعم نحن لاننكر بأن الدخان عندما يتصاعد ومن بيعيد نعلم ان الدخان مصدرهالنار وهذا لاننكره نعم هي حالة شاذة انتشرت في مجتمعنا منها الرشوة ومنه عملية لي ذراع عندما تكون بحاجة الى امرمن شخص ما يطلب اكثر من حقه من فوقها اللف والدوران لمشروع جديد للحصول على مبلغ فوق المتفق عليه وتنتهي بطلب الأكرامية وهذا الأمرفي القطاعين العام والخاصوهذه آفة علينا جميعاً ان نقف امام هذا المدالعنكبوتى وعندما ينكر شخص ما انه لم يتناول الحرام ولو بنظرة هذا كلام على ظاهر الأحوال مردود هل تريده ان يعترف لك بأنه مجرم وبسهولة لاياعزيزى كل واحد يستغتى ضميره ويحلل على كيفه !! نعم عليناان نعمل لوقف مثل هكذا امور وعلينا ان لانيأس تحية لك عزيزي عمر عبد العزيز

  6. يكرمك عبارة أصبحت متداولة و شعبية بين جميع الناس و هذه العبارة كانت في القديم تدل على الدعاء و التودد للأشخاص و أصبحت في يومنا هذا مدلولها مادي بحت لها معنى و احد ((عطيني رزقتي)) أصبحت هذه الكلمة إذا سمعها أحد المواطنين تصيبه التعاسة لأنه إذا دخل أحد دوائر الدولة وسمع هذه الكلمة يعرف أنه يجب أن يمد يده على جيبه و يدفع الإكرامية و نفس الأمر أصبح ينطبق في كل مكان تجلس فيه أو تدخل إليه فمثلا سأحكي لكم حادثة حصلت معي . منذ أيام قليلة عندما زرت أختي في المشفى بعدما رزقها الله بمولود جديد منذ دخولي المشفى استقبلتني ملائكة البخشيش عفوا الرحمة بعبارات التودد و الخنوع ((تعيش و تربى بدلالكون)) ((حلوة مثل خالها)) و عبارات آخري معسولة تربك الشخص و تربطه و لا يعرف ماذا يفعل و تهمس إحداهن بأذني ((شو وين إكراميتنا أكرمنا الله يكرمك)) . نفس الأمر ينطبق على شوفير التاكسي فمنذ أن تضع قدمك في سيارته يبدأ حديثا معك أصبحنا نعرفه جميعا (ما عم توفي) (البنزين غالي) (السيارة عم تصرف) و شي من هذا القبيل و يحكي لك قصة حياته المعذبة التعيسة منذ ولادته و عندما تصل إلى المكان الذي تقصده يتحول إلى القط المتودد و لكنه مستعد للنهش فتعطيه الخمسين بينام عالعشرين و وبيقلك (الله يكرمك) و نفس الأمر ينطبق على الفنادق و المطاعم فمنذ لحظة وصولك إلى المطعم أو الفندق ترى أمامك كوكبة من عمال المطعم يلتفون حولك و كأن لسان حالهم يقول ( أجت الرزقة) و هذه الاستقبال الحافل له مدلول واحد الإكرامية و يبدؤون كلامهم المعسول الذي يوصلوك إلى حالة الخجل التي تدفعك إلى إن تمد يدك على جيبك و تدفع المعلوم و يتفرقون من حولك كأنهم ذئاب نهشوا الضحية و لم يعد يهمهم أي شي آخر أما الفنادق فهنا الصدمة و سأحكي لكم قصة واقعية جرت معي كنت أنا و صديقي جالسين نتبادل أطراف الحديث و صديقي هذا يعمل بأحد الفنادق فجأة رن جواله فرد و بدأ (( تحياتي يامعلم الحمد الله على السلامة) لاحظت لهفة فيه غير طبيعية و بدا يقول له (( يا معلم قبل ما توصل الفندق دقلي تليفون لأني بإجازة بس لعيونك بكون عندك بأي وقت) المهم انهي الهاتف فمن باب الفضول سألته من المتصل فأجاب (واحد من الزبائن المدهنيين) فسألته مرة آخري و ماذا يريد فقال (بدو ياني بس يوصل عالفندق و هلاء رايح) قلت له و لكنك في إجازة فأجاب ( بأنه لا ينزل بالفندق إلا كون موجود لأني بدللوا و بعطيه شغلات زيادة عن باقي الغرف و الزلمة حرام ما بيقصر) (يكرمني) دعنا نقف عند هذه النقطة و نرى أن المتضرر الأول و الأخير هو المالك أو صاحب العمل لأنه هو من يخسر مقابل أن يستفيد أحد عماله بإكرامية لا علاقة لها بالعمل من هنا نرى مدى انتشار الجشع و البخس و الذل و قلة الكرامة بين الناس و نعود مرة آخري إلى المقدمة دوائر الدولة أكبر مراكز العمل انتشارا لثقافة الإكرامية فمثلا إذا أردت إن تقضي حاجة لك في إحدى دوائر الدولة يجب عليك أن تضع في جيبك حبوب الضغط و وجع الرأس لأنك ستصاب بها خلال خمس دقائق فمنذ دخولك إلى الدائرة يبدأ التخبط بك من مكتب إلى آخر و من طابق إلى آخر و الشاطر يرمي بك للآخر هكذا حتى تصل إلى مرحلة اليأس فيرسل لك أحد الموظفين سمسار يقول له (حاجتوا استوى جيبوا لعندي بقا) هنا يظهر لك السمسار بمظهر الشخص المساعد المتألم على حالتك ( شبك خيو رايح جايي و الله زعلت عليك فرجيني معاملتك بلكي بقدرحللك ياه) فينظر للمعاملة و يقول لك (أنا بمشيلك ياها بس بدك تكرمنا) ف طبعا أنت توافق لكي تتخلص من أوجاع الرأس التي أصابتك فيأخذك للموظف لتدفع له فتسمع الكلمات المعهودة (الراتب ما عم يكفي) ( و الله برقبتنا عيال) و شي من هذا القبيل وصل طمعهم إلى أن يدخلوا الله حاشا له في إكراميته و بخس أنفسهم . أيعقل أننا وصلنا إلى هذه الدرجة من الجشع و الانحطاط و الذل؟ أيعقل أن يتحول مجتمع كامل إلى مجتمع مادي جشع لا يبحث إلا عن الإكرامية؟ هل من المعقول أن تهدر من كرامتك لأجل الحصول على مكسب دنيوي (سيارة منزل جميل رفاهية كاملة) و الجميع يسأل أين العيب في كرم الله!!!!! هذه فلسفة و ثقافة معظم المتعودين على كرم الله . متى ننتهي من هذه الأضحوكة و هذا الفساد الذي حل علينا بجميع أطيافه و ألوانه؟ متى نتخلص من هذا المرض العنكبوتي و ننهض و نرتقي و يرضى كل واحد منا بنصيبه أم إنك تخضع لسرقة منظمة و أنت راضٍ عن سارقك بعد أن تقبل يده مرغما و تدعو عليها بالكسر. في النهاية مجتمعنا يعيش ثقافة الإكرامية بكل أبوابها أفيدونا ما هو الحل…

زر الذهاب إلى الأعلى