ثقافة وفن

أنا قلبي دليلي .. أم معبودة الجماهير؟ بقلم أ. د. اميل قسطندي خوري

أنا من هواة المسلسلات المصرية التي تتناول السّير الفنية لحياة الفنانين والفنانات الكبار .. فعلى مدار أربع سنوات خلت ، شاهدنا في أشهر رمضان المبارك سلسلة متعاقبة من المسلسلات الفنية التاريخية الرائعة

التي تناولت حياة أم كلثوم وحليم و اسمهان (مع حفظ الألقاب والرحمة عليهم جميعاً بإذن المولى تعالى)، وحالياً مسلسل أنا قلبي دليلي الذي يتناول حياة الفنانة و المطربة الكبيرة ليلى مراد، عن رواية الأديب الكبير صالح مرسي و إخراج الفنان المبدع محمد زهير رجب ، ومن بطولة الممثلة الناعمة صفاء سلطان (ليلى مراد) و الفنان القدير عزت أبو عوف (زكي مراد) و الفنانة الكبيرة هند عاكف (والدة ليلى مراد) و الفنانة الكوميدية القديرة هالة فاخر (خالة ليلى مراد ألتي ظهرت في المسلسل فجأة بعد وفاة والدة ليلى مراد .. أين كانت قبل ذلك؟ ولماذا لم تظهر من قبل في حلقات سابقة من المسلسل؟ أليس من العادة و التقليد وصلة الرحم و القربى أن الأخت تزور أختها وتطمئن على أبناء وبنات أختها، لا سيما في الفترة الزمنية التي كان زكي مراد قد سافر فيها إلى المغرب و من ثم إلى أمريكا لإقامة بعض الحفلات الفنية ؟) و الفنان الشاب محمد يونس (محمد عبد الوهاب) و الفنانة المتألقة منال سلامة (روز اليوسف) و الممثلين الشباب أحمد فلوكس (أنور وجدي) وحكيم المصري (سيد درويش) وماهر ماهر (إحسان عبد القدوس) و الممثلة الشابة فرح إسماعيل (أم كلثوم) و الفنانة المعروفة أمل رزق (راقية إبراهيم التي مثلت أمام عبد الوهاب في فيلم رصاصة في القلب) وغيرهم من الفنانين القديرين أمثال أحمد راتب ونبيل الهجرسي ورضوان رشوان وعبد الرحمن أبو زهرة الذين نكنّ لهم كل الاحترام و التقدير لما بذلوه من جهود جبّارة في إنجاح هذا المسلسل الكلاسيكي الجميل.

ولأنني أعتبر نفسي من عشاق هذا النوع من المسلسلات الفريدة (ليس فقط لما تحويه من أمور فنية قيّمة، بل أيضاً لما تسرده من أحداث سياسية و اجتماعية و اقتصادية وثقافية وقانونية هامة واكبت حقب زمنية لوجستية ذات أهمية كبيرة في تاريخ أمتنا العربية المعاصر )، قررت (وأنا واحد من الناس الذين يأخذون وقتاً طويلاً في صنع قراراتهم، خصوصاً إذا ما تعلق الأمر بمشاهدة التلفزيون) تخصيص ستين دقيقة من وقتي الخاص كل ليلة لمشاهدة مسلسل أنا قلبي دليلي الذي يعرضه حالياً التلفزيون الأردني، ثم أعود وأتابع ما فأتني من أحداث المسلسل (وقد جلّ من لا يسهو) على شاشة تلفزيون فلسطين (مع أعطر التحيات لهاتين المؤسستين الموقرتين و التمنيات الطيبة لهما بالتوفيق والنجاح).

ما لفت نظري في مسلسل أنا قلبي دليلي (وقد لا أكون المشاهد أو المراقب الوحيد في هذا الاعتقاد) أنني كنت أرى الفنانة صفاء سلطان وكأنها تجسّد دور المطربة الكبيرة شادية وليس ليلى مراد.. ولوهلة صغيرة شعرت وكأن الزمان عاد بي إلى الوراء ووجدت نفسي أرى شادية في فيلم لحن الوفاء (من بطولة شادية وعبد الحليم حافظ وحسين رياض) وفيلم معبودة الجماهير (من بطولة شادية وعبد الحليم حافظ ويوسف شعبان وأبو بكر عزت).. لماذا أحسست بهذا الشعور الغريب؟ وما الذي دفعني إلى مثل هذا الاعتقاد؟ الجواب بسيط .. فإذا قمنا بمتابعة دقيقة ومراقبة حثيثة للأداء الفني للممثلة الشابة صفاء سلطان (ليلى مراد) وأسلوب غنائها وكلامها وحركاتها ولغتها الجسدية وخفة دمها ودلعها وتقاسيم وجهها ورشاقة جسمها، لوجدنا أن كل ذلك يميل إلى الاتفاق أكثر مع شخصية شادية ، ولكنه للأسف بعيد كل البعد عن ليلى مراد ولا يمت لها بأية صلة، فنحن نعرف تمام المعرفة تكوين شخصية ليلى مراد وأسلوب أدائها الفني و الغنائي المميز من خلال أفلامها العظيمة التي شاهدناها جميعاً.. ففي هذا السياق، أنا أعتقد أن اختيار الفنانة صفاء سلطان (التي بلا أدنى شك قد أبلت بلاءً حسناً كممثلة ذات جدارة عالية وكفاءة مرموقة) لتجسيد ليلى مراد كان اختياراً غير مناسب (على الأقل في رأيي المتواضع). ومن هنا ، أعتقد أنه كان الأجدر بالقائمين على هذا المسلسل ترشيح الفنانة صفاء سلطان للعب دور شادية بدلاً من ليلى مراد (مع حفظ الألقاب للجميع).

في حقيقة الأمر، أنا لست متأكداً فيما إذا كانت هذه النقطة أو الملاحظة أو الرؤية (إن شئتم) قد فاتت المخرج الأستاذ محمد زهير رجب أو غابت عن بال القائمين على مسلسل أنا قلبي دليلي، على سبيل المثال، الشركة المنتجة للمسلسل (الشركة المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامي) أو كاتب السيناريو والحوار والمعالجة التلفزيونية (الأستاذ مجدي صابر) أو المخرج المساعد (الأستاذ أشرف موسى) أو المشرف العام (الأستاذ إسماعيل كتكت) أو المدير الفني (الأستاذ فتحي ألحكيم) أو مدير الإنتاج (الأستاذ ماجد مصطفى) أو حتى الممثلين و الممثلات أنفسهم وأنفسهن.. فمع احترامي العميق وتقديري الجزيل لهذا العمل الفني الرائع و الجهود الخارقة التي بُذلت لإخراجه بهذه الطريقة اللطيفة، أنا ما زلت شديد الاعتقاد أن الفنانة الخفيفة الظل صفاء سلطان (ليلى مراد) كانت لتناسب تأدية دور شادية بشكل أكثر دقة ومصداقية من تجسيد دور ليلى مراد كما شاهدناه في المسلسل أو تم عرضه علينا على هذا النحو.

وفي ختام هذه البانوراما الصغيرة أود أن ألفت النظر إلى نقطة مهمة وشديدة الحساسية وهي أنني لا اقصد بأي شكل أو بآخر توجيه انتقادات مباشرة أو غير مباشرة لمسلسل أنا قلبي دليلي أو للقائمين عليه لسببين وجيهين .. السبب الأول هو أنني أحببت المسلسل كثيراً بدليل أنني أتابعه حلقة بحلقة على محطتين تلفزيونيتين عريقتين، ولا أفوّت منه حلقة واحدة إلا للشديد القوي .. والسبب الثاني (وهو الأكثر وجاهة) هو أنني وددت أن ألفت النظر إلى ما ذكرته سالفاً بدافع الغيرة الصدوقة على أن تكون أعمالنا الفنية بأحسن صورة وأقرب إلى الكمال (ليس الكمال بحد ذاته لأنه ليس أحد بكامل سوى الله وحده الواحد القهار القادر على كل شيء) إن أمكن .. مع خالص حبي وتحياتي الصادقة إلى جميع القائمين على مسلسل أنا قلبي دليلي و العاملين فيه ، راجياً من الله جلت قدرته أن يلهمنا دائماً وأبداً البصيرة الشاملة و الرؤية السديدة لعمل ما فيه مصلحة أمتنا وشعوبنا العربية والإسلامية في كل مكان، و الله من وراء القصد. وكل عام وأنتم بألف خير ودمتم سالمين هانئين في رعاية المولى عز وجل.

المصدر
عمان - المملكة الأردنية الهاشمية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى