الزاوية الإجتماعية

الخيط الرفيع بين التربية و الإعلام

كلنا ندرك أهمية التربية منذ زمن طويل، و رأينا أسرار نهوض الشعوب والأمم وأسباب هبوطها و أن أسرار نهوض الأمم تبيت وراءها أسرار التربية الفعالة. كما أن وراء كل أمة
 عظيمة تربية عظيمة و وراء كل أمة متخلفة تربية  متخلفة.

كما هناك أهمية الإعلام وخطورتها في النهوض بالأمم وفي تخلفها لأن الإعلام طاقة موجهة عظيمة إذا وجهت بالأمة إلى العلا رفعتها وإذا وجهتها إلى السفلى سفلتها، فهي قادرة على إسقاط الحكومات وإفشال الشخصيات والأحزاب والجماعات وهي قادرة أيضاً على جعل الأسود أبيضاً والأبيض أسوداً والحق باطلاً والباطل حقاً، والشر خيراً والخير شراً.

يجب أن يكون هناك تناسق بين الإعلام و التربية ، لأن التربية قوة وثقافة الإعلام قوة أيضاً فإذا اجتمعتا أصبحت هناك قوة مضاعفة، والخطورة كل الخطورة إذا أصبحتا متناقضتين.
فإذا هدمت القوة الإعلامية ما بنته التربية فتفشل التربية بلا شك ولا شبهة، فإن التناقض آفة في كل الميادين في السياسة والإدارة والمشروعات النهضوية والحضارية ولهذا يقول الشاعر:
متى يبلغ البنيان يوما تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم

ولهذا  يجب أن  نعمل لإيجاد التكامل بين الثقافة التربوية والثقافة الإعلامية وهذا يستحق كل جهد وتضحية لأن التناقض أصبح في هذا العصر أكثر مما سبق لبروز القوة الإعلامية الداخلية والخارجية وتطور تناقضات خطيرة وخصوصاً بعد تفعيل الثقافة الإعلامية الخارجية الموجهة ضد الثقافة التي هي هوية أمتنا.

ما هي مفهوم ثقافة المجتمع

هي مجموعة القيم والأفكار والخبرات والتجارب المتراكمة لدى مجتمع ما التي تمثل هوية أجياله وتتحكم في تصرفاتهم ومسيرتهم وتميزهم عن غيرهم في الاعتقادات والأخلاقيات والعادات والأذواق الأدبية والمعاشرات اليومية والتي بها تحتفظ الأمة بهويتها وخصائصها وسماتها العامة.

و الثقافة حسب تعريف منظمة اليونسكو:
((هي جميع السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميز مجتمعا بعينه أو فئة اجتماعية بعينها،وتشمل الفنون والآداب وطرق الحياة كما تشمل الحقوق الأساسية للإنسان والنظم والقيم والتقاليد والمعتقدات))

لربما نتساءل هل يوجد فرق بين التربية و التعليم …!!

الفرق بين التعليم والتربية أن التعليم هو توصيل المعلومات إلى الأذهان والتربية هي إحداث التعبير في السلوكيات حسب المعلومات وبناء شخصيات على حسب ما يريد المجتمع أو الأمة، ولهذا فالتربية أعم من التعليم؛ لأنه لا يمكن إحداث التغيير بدون توصيل المعلومات أولا في الأذهان.وهناك تعريفات كثيرة للتعليم ومنها تغير في السلوك أو الأداء نتيجة للخبرة والممارسة.
مفهوم الإعلام.

ويعرفه دارس بأنه " تعريف بقضايا العصر وبمشاكله وكيفية معالجة هذه القضايا في ضوء النظريات والمبادئ التي اعتمدت لدى كل نظام أو دولة من خلال وسائل الإعلام المتاحة داخلياً وخارجياً وبالأساليب المشروعة أيضا لدى كل نظام وكل دولة.
وهناك تعريف ثاني يقول " هو الإخبار بالحقائق والمعلومات الصادقة من اتخاذ موقف صحيح .
والتعريف الثالث هو عملية تهدف إلى توعية وتثقيف وتعليم وإقناع مختلف فئات المجتمع التي تستقبل موارده المختلفة وتتابع برامجه المتنوعة.

ووجهة نظري في التعليقات السابقة أن كل واحد يعبر عن جانب الإعلام يركز على جانب دون جانب آخر ويركز على مجالات الإعلام الأكبر والأوسع من ذلك كله. وليس من السهل التعريف الجامع والمانع. لأن هناك أنواعاً من الإعلام، الإعلام الثقافي والتربوي والترفيهي والسياسي والإعلام الدعوي والديني والإعلام الإخباري وما إلى ذلك ….

وظائف الإعلام التعليمية والتربوية

إن الإعلام مؤسسة، حيثما وجه إليه وباعتبارها مؤسسة تعليمية وتربوية في نظر المربين يجب بيان وظائفها التربوية كما تبين الوظائف التربوية لغيرها من المؤسسات التعليمية الأخرى مثل الأسرة والمدرسة وأهم وظائفها التربوية هي الآتية:

– يجب مواجهة التيارات الإعلامية الغازية وتحصين الأجيال ضدها بتكوين حصانة ومناعة لدى الشباب ضد الغزو الثقافي والأخلاقي .
– استخدام الإعلام بكل وسائله وأنواعه لبناء الأجيال بناءً متكاملاً و العمل على تعديل السلوكيات العقلية والوجدانية والحركية نحو الأحسن والأفضل و مساعدة الأجيال على حل مشكلاتهم الأسرية والاجتماعية والفردية.
– عرض كيفية الاختراعات والاكتشافات العلمية والصناعات التقنية المتطورة والمتقدمة و عرض أسرار التفوق والتقدم العلمي والحضاري للأمم المتقدمة .
– عرض أفلام طريقة التعلم المثالي والمذاكرة المثالية والعلمية والحكيمة و تبصير الطلاب بطريقة تحصيل أكبر قدر ممكن من المعلومات في أقل وقت وبأقل جهد

العلاقة بين الثقافة التربوية والثقافة الإعلامية

إن العلاقة بينهما علاقة وثيقة الصلة بصفة عامة من حيث إن الثقافة مطعم ومشرب للتربية لتحقيق أهدافها وطموحاتها؛ ذلك أن التربية تستخدم الثقافة التي بينتها فيما سبق في بناء الأجيال كما يريد المجتمع؛ لأن نقل ثقافة المجتمع إلى الأجيال من أكبر مهام التربية ولأنه بذلك تستمر هوية المجتمع أو الأمة، وتنتقل من جيل إلى جيل عبر التاريخ وكل مجتمع والأمة تحرص على ذلك كل الحرص باستمرار.

هذه ناحية ومن ناحية أخرى فإن الإعلام تعد لدى المربين من مؤسسات التعليم والتربية كما بينا عند بيان وظائفه التعليمية والتربوية، وبالنسبة لمدى تأثيره إيجاباً وسلباً فإن بإمكانيته التأثير الإيجابي والفعال أكثر من المؤسسات الأخرى، لأنه يستطيع الوصول إلى كل بيت وإلى كل مدرسة والإدارة وإلى مؤسسات أخرى في أي وقت مما لا تستطيع المؤسسات الأخرى أن تفعل مثل ذلك.

ثم إنه باعتباره يمتلك كل الوسائل التعليمية السمعية والبصرية يؤثر في تكوين الاتجاهات وتعديل السلوكيات وتشجيع المجتمع كله على سبل الصلاح والفلاح وإلى سبيل النهوض والتفوق في الميادين العلمية وغيرها. وبتكلفة وجهد أقل من غيره.

ثم إن هناك مؤسسات تعليمية جديدة تقوم على الإعلام مباشرة مثل أنواع التعليم المفتوح والجامعات المفتوحة والمدرسة الثانوية المفتوحة كما في بعض البلاد مثل اليابان مثلاً.
إن قيمة الإعلام التعليمي والتربوي لا تقدر بثمن إضافة إلى أنه به يمكن توصيل المعلومات اللازمة والضرورية إلى كل مواطن في الوقت نفسه.
ولهذا نرى قد أصبح الإعلام في البلدان المتقدمة من عوامل النهوض والتقدم العلمي والتقني وإبداع الصناعات والاكتشافات المتجددة والمستمرة.

المطالب التربوية من الإعلام

يمكن تلخيص أبعاد هذا الموضوع كما جاء في ندوة ((ماذا يريد التربويون من الإعلاميين))، وإني ألخص الموضوع في النقاط الواضحة التالية:

– على الإعلام تبني رسالة التربية وتفعيلها بالأساليب الفنية لتحدث أثرها في الأجيال و الإسهام في تعديل سلوكيات الأجيال نحو الأحسن والأفضل والشعور بالمسئولية عن ذلك.
– تزويد التربويين بالخبرات والفن الإعلامي..كإقامة برامج مشتركة بين الطرفين للإعداد التربوي والإعلامي لتحقيق رسالة التربية باعتبار التربية والإعلام كلاهما أداة الخدمة للمجتمع والنهوض به
– ضرورة تخطيط مشترك لتحقيق أهداف التربية في التنمية الاجتماعية للجميع و محاولة إيجاد التكامل بين كل المؤسسات التعليمية لخدمة المجتمع و اعتبار الإعلام من المؤسسات التربوية المهمة مثل الأسرة والمدرسة.
– ضرورة تعاون الإعلام مع التربية في تحسين صناعة الرجال كما تريد الأمة.

استراتيجية التكامل والتنسيق بين الإعلام والتربية:
يجب أن يتجه فكرنا حول الإنسان الذي نريد بناءه بالتربية والتوجيه الإعلامي…. فمثلاً يجب علينا أن نشعر الإعلاميون أنهم أولاً وأخيراً تربويون وأن مهمتهم لا تقتصر على نقل الرسالة عبر الأثير. فإن مسئولية الإعلاميين أن يسهموا في تعديل السلوك الإنساني.

لأن القوة الخطيرة التي يملكها الإعلامي هي دائماً سلاح ذو حدين ومن هنا تأتي أهمية اختيار المشكلة التي تعرض والطريقة التي تعرض بها "فحين يتجاهل الإعلاميون مشاكلنا الحقيقية ويملأون ساعة الإرسال بما يستهين بعقلية السامع. . . فإن الأمر يتجاوز تبديد الوقت أو المال أو الجهد. فعليه أن يوجه قوة التأثير إلى تغيير الفكر من الغوغائية إلى العلمية وإلى البحث والدراسة.

من أهم الاحتياجات أن يتجه الإعلاميون والتربويون إلى قطاع الطفولة وقطاع كبار السن فما زال هذان القطاعان في أمس الحاجة إليه وفتح مجالات جديدة، أمامهم، فعندما تتشابك أياد الإعلاميين والتربويين معاً في عمل مشترك لإثراء فكر المواطنين في استخدام الثروة الحقيقية وهي الوقت والفكر والرأي.. هذه الثروة استخدمها الأمم المتقدمة بعد تجنب تبديد الوقت والطاقة في الترف….

و برأيي كدارسة اجتماعية هناك توصيات يجب أن نتقنها لكي ننجح العلاقة بين التربية و الإعلام :

– تصنيع المواد الإعلامية ويديره قطاع الإعلام، ويساهم فيه قطاع التربية بتقنياته ومطابعه واستوديوهاته.
– إيجاد إدارة التكامل من تنظيم وتخطيط ومتابعة وتأهيل وتشارك فيها قطاعان التربية والإعلام.
– تعليم الإعلام ويديره قطاع التربية، ويشارك فيه القطاع الإعلامي بتقديم الخبير .
– التدريب الإعلامي ويديره القطاعان أو أحدهما.
– المعلومة الثقافية والتوعوية العامة، ويوفرها قطاع الإعلام، ويساهم فيها قطاع التربية.

بواسطة
نوشيك ديرسركيسيان
المصدر
زهرة سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى