سياسية

مشاهد من حرب العراق في وسط ولاية بافاريا الألمانية

إزاء ارتفاع عدد قتلى الجيش الأمريكي في العراق، أنشئ في جنوب ألمانيا معسكر لتدريب الجنود المتوجهين إلى العراق على ظروف ميدانية بطبيعة عراقية كي يتأقلموا مع طبيعة البلد وسكانه. وكومبارس يؤدي دور “المدنيين العراقيين”.
من تطأ قدماه سهول ولاية بافاريا في منطقة بالاتينات العليا الواقعة بين نورنبيرغ وريجنسبورغ، يجدها تحولت إلى ساحة حرب، تتعالى منها أعمدة الدخان. فقد تناثرت السيارات المتفحمة والخنادق المحفورة على جانبي الطريق على مساحة 16 ألف هكتار. ساحة المعركة الشاسعة هذه لا يعود إلى الحرب العالمية الثانية في ألمانيا، بل إلى حرب أخرى تدور رحاها في العراق. فهي ليست أكثر من تجسيد لطبيعة الظروف القتالية، التي ينبغي على الجنود الأمريكان مواجهتها هناك. وقد عملت مجموعة من خبراء الجيش الأمريكي على إقامة هذا المعسكر بشكل يشبه الطبيعة الجغرافية في بعض مناطق العراق. ويوضح الكابتن جونيل جيفري، الذي يدعو ساحة الحرب هذه أحياناً بـ"المسرح الضخم" أنها تضم كذلك جزءاً من خط سريع كذاك الذي يربط بين العاصمة بغداد ومدينة البصرة في جنوب العراق". من أجل التدرب على إبطال مفعول العبوات الناسفة المزروعة في أرصفة الطرق، والتي تحصد أرواح العديد من الجنود الأمريكيين في العراق.

جزء من أمريكا في بافاريا

توجد على هذه السهول الواسعة قطعة من الولايات المتحدة الأمريكية، مستقلة ومنقطعة عن العالم الخارجي، ولا تدخلها سوى حاويات القمامة وشاحنات المواد الغذائية. ودورية التفتيش عند البوابة رقم 5 تُذكر بنقطة تفتيش تشارلي، التي كانت المعبر بين شطري برلين المقسمة في أوقات الحرب الباردة، فالسيارات الداخلة إلى "معسكر التدريب القتالي"، تدخل في البدء إلى قاعة التفتيش للتأكد من خلو الجزء السفلي منها من المتفجرات بواسطة المرايا المتنقلة.

ثلاثة أسابيع في قرية "عراقية" في بافاري
من أجل التمرن على المصاعب القتالية والثقافية، التي تواجه مشاة الجيش الأمريكي في مدن العراق، من خلال تمثيلها بشكل أقرب للواقع بقدر الإمكان، يحتاج المتدربون بالطبع إلى "خصم"، لذلك تمت الاستعانة في البدء بكومبارس ألماني للاشتراك في لعبة الحرب هذه. وخلال الأشهر الماضية تقدم كثير من الأشخاص المنحدرين من بلدان عربية بطلبات للعمل "كعراقيين" يقفون في الشوارع، التي يجوبها الجنود المتدربون. ويتم توظيف هؤلاء الأشخاص من قبل شركة ألمانية لخدمات الأمن، تُدعى "أس تي تي"، بتكليف من الجيش الأمريكي، بعد التحقق منهم بدقة. وأغلب الذين يؤدون دور الخصم لمدة ثلاثة أسابيع، يكونون في العادة من الطلاب أو العاطلين عن العمل.

وخلال هذه الفترة ينام هؤلاء في غرف جماعية، ويجب أن يكونوا على أتم الاستعداد لتأدية دورهم على مدار الساعة. كما يُحرم عليهم حمل الهاتف المحمول أو أجهزة الكومبيوتر الشخصية أو شرب الخمور، ومن يمسك "متلبساً"، فعليه أن يحزم أمتعته خلال 20 دقيقة لمغادرة مركز التدريب هذا. ويتقاضى هؤلاء 90 يورو يومياً مقابل القيام بدور أشخاص عراقيين أو مشاهد من الحياة اليومية في العراق. فبعضهم يظهر بزي حلاق أو خباز أو معلم، وبعضهم الآخر بزي الشرطة المحلية، أو حتى القيام بدور كبير إحدى القرى الخمسة، الذي عليه أن يتفاوض مع الجنود الأمريكيين.

الاقتصار على أداء الأدوار "المدنية"
وتقتصر أدوار هؤلاء على المهام "المدنية" أو الجزء المتعلق بالمدنيين العراقيين، أما أدوار "الأشرار"، كما يسميهم المدربون، فيكونون من الجيش الأمريكي لأسباب أمنية، والهدف من ذلك هو "معرفة تكتيكات العدو"، كما يوضح القائمون على التدريب. وعلى الجنود المزودين ببنادق خشبية، تفادي الاحتكاك الجسدي بالمدنيين، فلا يُسمح لهم الاقتراب من هؤلاء لمسافة متر واحد أو مسهم، كما أوضح أحد العاملين في شركة "أس تي تي" في مقابلة مع جريدة كولنر شتادت انتسايغر الألمانية. وتستخدم خلال التدريب الذخيرة الخلبية والقنابل الدخانية أو المسيلة للدموع.

أجواء حرب حقيقية
انفجرت قنبلة أمام دار البلدية في تكريت أثناء مرور دورية أمريكية وأصيب شخصين منهم بجروح خطيرة، قد تكون هذه الجملة التي تتكرر بشكل شبه يومي، مقتطعة من نشرة أخبار أحد القنوات، لكنها وصف لأحد التدريبات في المعسكر. ويهدف المدربون العسكريون من خلال هذا التدريب إلى تعليم الجنود على المحافظة على الهدوء والتصرف بحرفية في حال حدوث مثل هذه الحوادث، ويعد هذا من الأهداف الأساسية لإقامة هذا المعسكر، بعد أن ازدادت خسائر الجيش الأمريكي البشرية منذ إعلان وقف العمليات العسكرية إلى أكثر من 3500 جندي، وبواقع أربع جنود يومياً.

كما تهدف هذه التدريبات إلى تعويد الجنود على تحمل رؤية الضحايا المدنيين ومنظر الجثث والدماء، التي تخلفها الهجمات شبه اليومية في العراق. وتأتي هذه الخطوة بعد أن أوضح تقرير لوزارة الدفاع الأمريكية ارتفاع حالات الإصابة بأمراض نفسية بين الجنود العائدين من العراق، وتصل نسبتهم إلى 38 بالمائة.

المصدر
DW

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى